فضيحة بـ 9.5 مليار دولار تحول منصات التواصل إلى محكمة شعبية في الفلبين
فضيحة بـ 9.5 مليار دولار تحول منصات التواصل إلى محكمة شعبية في الفلبين
مع تزايد التدقيق العام بشأن مشاريع مكافحة الفيضانات في الفلبين، لم تعد ساحات القضاء وحدها مسرح المحاسبة، بل وجدت منصات التواصل الاجتماعي نفسها تتحول إلى محكمة شعبية مفتوحة، يُحاكم فيها أبناء النخبة السياسية ورجال الأعمال.
لجأ آلاف الفلبينيين إلى مواقع مثل ريدييت وفيسبوك لتوثيق ونشر أنماط الحياة الباذخة لأبناء مسؤولين ومقاولين ارتبطت أسماؤهم بفضيحة فساد تبلغ قيمتها نحو 9.5 مليار دولار أمريكي، ما أشعل نقاشا عاما غير مسبوق حول طبيعة الفساد المتجذر في البلاد، وفقا لـ "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
القصة بدأت حين كشف الرئيس فرديناند ماركوس جونيور في أغسطس أن الحكومة أنفقت منذ 2022 أكثر من 545 مليار بيزو فلبيني (9.5 مليار دولار) على مشاريع لإدارة الفيضانات، بلغ عددها 9,855 مشروعا.
لكن الكارثة جاءت حين غرقت العاصمة مانيلا ومقاطعات مجاورة بمياه غزيرة إثر أربعة أيام متواصلة من الأمطار، ليظهر أن كثيرا من تلك المشاريع إما لم تُنفذ أصلا أو كانت "مشاريع وهمية" موجودة على الورق فقط. أحد الأمثلة الفاضحة كان مشروع جدار نهر بتكلفة 55 مليون بيزو، لكن موقعه كان أرضا خاوية لم تشهد يوما بدء العمل.
هذا الغضب الشعبي وجد صدى في الفضاء الرقمي، حيث نشأ مجتمع فرعي على منصة رديت باسم lifestylecheckPH، حصد أكثر من سبعة آلاف متابع.
هناك بدأ مستخدمون بإعادة نشر مقاطع وصور من حسابات أبناء مسؤولين ومقاولين وهم يتباهون بمظاهر الثراء: طائرات خاصة، سيارات فارهة، جولات تسوق بملايين الدولارات في الخارج. تلك الممارسات لم تُقرأ كحرية شخصية بل كدليل صارخ على فساد ممنهج تموّله أموال دافعي الضرائب.
من بين الأسماء التي تصدرت العاصفة الإعلامية، ظهرت كلودين كو، المعروفة على منصات التواصل باستعراضها المترف لعلامات تجارية فاخرة ومقتنياتها باهظة الثمن. والدها يملك شركة بناء كبرى مدرجة ضمن قائمة الشركات التي استحوذت وحدها على 20% من ميزانية المشاريع، فيما تُركت بقية الميزانية موزعة على آلاف المقاولين الآخرين. الأسوأ أن كو ليست مجرد ابنة مقاول، بل هي أيضا ابنة شقيق نائب برلماني نافذ.
منذ ذلك الحين، قامت منشئة المحتوى، التي لديها أكثر من 300 ألف متابع على يوتيوب وأكثر من 100 ألف على إنستجرام، بإلغاء حسابتها على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ردود الفعل الغاضبة.
صرحت أثينا شاران بريستو، عالمة الاجتماع من جامعة الفلبين ديليمان، لبرنامج "هذا الأسبوع في آسيا" بأن موجة "التشهير بالفساد" من الفلبينيين عبر الإنترنت ليست ظاهرة جديدة، مضيفةً أن الناس اعتادوا على استخدام وسائل الإعلام الجديدة على مر السنين لفضح مخالفات الحكومة.
قالت بريستو: "نحن أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حماسة في العالم. من الصعب إقصاء وسائل التواصل الاجتماعي من المشاركة السياسية بين الفلبينيين، خاصةً في ظل تجاربنا التاريخية السابقة في إسقاط إدارات مختلفة عبر أشكال إعلامية جديدة".
التحقيقات الرسمية أظهرت أن من بين 2,409 مقاولا مسجلا، نجح 15 فقط في اقتناص عقود بمئات المليارات، بينما كشفت جولات التفتيش عن عشرات المشاريع غير المكتملة أو غير المنفذة. هذه الأرقام لم تُترجم فقط إلى أزمة ثقة بين المواطن والدولة، بل تحولت إلى حالة من السخرية الشعبية.
يعكس الغضب الفلبيني المتفجر على الإنترنت مزيجا من السخرية والغضب والأمل في التغيير. غير أن الباحثين يحذرون من أن الاكتفاء بالفضح الرقمي دون ترجمة ذلك إلى تحركات سياسية حقيقية قد يقود إلى حالة من الإحباط واللامبالاة إذا ما عاد هؤلاء المسؤولون إلى السلطة مجددًا. فهل تنجح محاكم وسائل التواصل الاجتماعي في فرض عدالة يئس منها الشارع، أم أن الفساد سيجد طريقه للالتفاف مرة أخرى.