التكنولوجيات المتقدمة وريادة قطاعات السيارات

الإرث الذي تتمتع به البلاد في ريادة قطاعات السيارات والهندسة الميكانيكية والكيماويات جعل ألمانيا تركز على أنواع التكنولوجيا القائمة وتعتمد عليها. وجعلت البنية التحتية الحالية، والمهارات المتخصصة، والأسواق الراسخة في هذه القطاعات التقليدية من الصعب عليها تنويع اقتصادها نحو قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، مثل تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا البيولوجية. وفي حين لا يزال الإنفاق الخاص على البحوث والتطوير قويا نسبيا وفق المعايير الدولية، فإنه يتركز في هذه القطاعات "متوسطة التكنولوجيا"، التي لم يعد بمقدورها تحقيق النمو المنشود.
وثانيا، في ظل النظام المالي التقليدي في ألمانيا، يخصص القطاع المصرفي كما كبيرا للغاية من رأس المال، مع تدفقات ضئيلة للغاية منه للشركات الابتكارية والشركات ذات المخاطر الأعلى.
إضافة إلى هذا، فإن عمق أسواق رأس المال وسيولتها يعززان النمو على المدى الطويل من خلال توجيه رأس المال المالي إلى الشركات الأكثر إنتاجية وابتكارا. ويصدُق هذا الأمر بصفة خاصة على الشركات حديثة العهد والشركات الابتكارية، مثل الشركات البادئة، إلا أن الشركات الألمانية دأبت عادة على الاعتماد على التمويل المصرفي بدلا من الحصول عليه من أسواق المال الأوسع نطاقا. وعلى الرغم من نمو حجم رأس المال المُخاطر من 0,02% في المتوسط من إجمالي الناتج المحلي في الفترة من 2011-2013 إلى 0,09% تقريبا في الفترة من 2021-2023، فإنه لا يزال غير كافٍ، ولا سيما في المرحلة الأخيرة من تمويل الشركات في طور النمو. وصناديق رأس المال المُخاطر في أوروبا أقل عددا وأصغر حجما مما هي عليه في الولايات المتحدة أو آسيا، ما يجعل من الصعب على الشركات البادئة الحصول على التمويل من خلال دورات التمويل الكبيرة المتعددة.
ويمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك في الافتقار إلى المستثمرين المؤسسيين الكبار الراغبين في الاستثمار في رأس المال المُخاطر في أوروبا. وهم يفضلون إما الاستثمار في أصول أقل مخاطر أو في صناديق أكبر وراسخة في الولايات المتحدة. ويفرض هذا الوضع تحديا، ولا سيما للشركات الأوروبية الناشئة سريعة النمو والأكبر حجما التي كثيرا ما تنتقل إلى الولايات المتحدة حيث تنتظرها أسواق رأسمال أعمق وخيارات تخارج أفضل، خاصة كعمليات طرح عام أولي.
إذن، ما حلول حالة الركود في ألمانيا؟ نعتقد أنه يجب على ألمانيا التعامل مع التنمية الاقتصادية فيها انطلاقا من منظورين هما: أنه يجب عليها النظر إلى الخارج ودفع تكامل الأسواق الأوروبية قُدُما، وأنه يتعين عليها النظر إلى الداخل وتعزيز الاستثمار طويل الأجل الموجه نحو المستقبل.
لقد أهملت ألمانيا لسنوات الاستثمار العام الموجّه نحو المستقبل، خاصة في مجالات البنية التحتية والدفاع والتعليم.

التكامل الأوروبي

من أجل إطلاق شرارة النمو، تحتاج ألمانيا والبلدان الأوروبية الأخرى أسواقا كبيرة متكاملة، ما يتيح للشركات القدرة على التوسع. وليس بمقدور أي بلد أوروبي وحده أن ينافس السوق الأمريكية الكبيرة، ولا السوق الصينية، في هذه المسألة. ومن ثم، يجب على ألمانيا الدفع بشكل فعال نحو مزيد من التكامل الأوروبي في أسواق السلع والخدمات ورؤوس الأموال والطاقة. وبدلا من إصدار رد فعل إزاء التغيرات في السياسة الاقتصادية الأمريكية، ينبغي لألمانيا والاتحاد الأوروبي التركيز على ما لديهما من مواطن قوة والسعي بفاعلية لوضع خطط منسقة تهدف إلى جعلهما أقوى اقتصاديا كسوق موحدة متكاملة.
وفي حين لا توجد حواجز رسمية على التجارة في السوق الموحدة، يوجد كثير من الحواجز غير التجارية. وهي تشمل الإجراءات المعقدة والمرهقة للحصول على التصاريح والتراخيص المطلوبة لبيع السلع والخدمات، أو الافتقار إلى التنسيق الضريبي. وتمنع هذه الحواجز الشركات الألمانية والشركات الأوروبية الأخرى من التوسع والاستفادة من الفرص المحتملة التي تتيحها سوق موحدة تضم نحو 500 مليون مستهلك. وينبغي لمفوضية الاتحاد الأوروبي إعطاء أولوية قصوى لإزالة أي حواجز أمام التجارة في السلع والخدمات، وتنسيق القواعد التنظيمية الوطنية ومواءمتها.
ويصدُق هذا الأمر أيضا على الطاقة. فمن شأن توسيع أنظمة الكهرباء الوطنية بطريقة منسقة خفض تكاليف الأنظمة وزيادة كفاءة تداول منتجات الطاقة. وفي هذا السياق أيضا، من المهم تبني منظور أوروبي بدلا من التركيز حصريا على الاحتياجات المحلية. وإيجاد حل أوروبي لمشكلات الطاقة يمكن أن يكون أكثر كفاءة وفاعلية من حيث التكلفة بكثير في حالة تعاون جميع البلدان والتنسيق فيما بينها.
ومن أجل تمويل الاستثمارات الهائلة اللازمة للتحول الرقمي والدفاع والتحول الأخضر، يجب على ألمانيا التركيز على بناء أسواق رأسمال أقوى وأكثر تكاملا. وتتمثل إحدى الخطوات الرئيسية في تولي ألمانيا قيادة الجهود من أجل تحسين مستوى الأنظمة الوطنية للإعسار والتنسيق بينها، ما ييسر تقييم الأصول عبر حدود الاتحاد الأوروبي.

أستاذ للتمويل في كلية هاس لإدارة الأعمال، والاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، وعضو في المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين.
خبيرة اقتصادية في المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي