هل حان الوقت للسعودية لتنويع محفظتها الاستثمارية؟

لم تغدو البيئة الاستثمارية التي عرفها العالم منذ انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة المتمتعة بالاستقرار وسادتها العولمة على التجارة وتدفقات رؤوس الأموال. فعالم اليوم يزداد انقساما وتشرذما مع ارتفاع الحمائية التجارية والقيود على حركة الاستثمار، وهو ما يدفع المستثمرين والحكومات إلى بناء إستراتيجيات جديدة لمحفظتهما الاستثمارية، ومن هنا بدأت دعوات التنويع والعودة إلى الملاذات الآمنة كحصن في مواجهة التقلبات والصدمات الاقتصادية والجيوسياسية.

تملك السعودية محفظة متنوعة من الاستثمارات الخارجية ما بين استثمار مباشر خارجي وصل في 2024 إلى 229 مليار دولار، واستثمارات الحافظة مثل حقوق الملكية وأسهم صناديق الاستثمار، إضافة إلى سندات الدين، وقد وصل حجمها بنهاية 2024 إلى أكثر من 500 مليار دولار. لدى المملكة استثمارات متنوعة أخرى مثل القروض والائتمان التجاري والعملة والودائع، تخطت بنهاية 2024 مستوى 329 مليار دولار.

هنا نتحدث عن نحو تريليون دولار من الاستثمارات في الخارج، صحيح أن هذه الاستثمارات تدر عوائد سنوية في شكل ارتفاع في أسهم الشركات وفوائد الدين. إلا أن البيئة الحالية المثقلة بتنافس جيوسياسي وتجاري تجعل أسواق الأسهم والسندات وبخاصة في الولايات المتحدة عرضة لانتكاسات وتقلبات متتالية تؤثر في قيمة الأصول وعوائدها.

وقد تكون التطورات بمنزلة جرس الإنذار للسعودية لتنويع أصولها واحتياطاتها الأجنبية، وبناء محفظة تتميز بالمرونة في وجه التقلبات الحالية والمستقبلية. أولى الخطوات هي الاتجاه لسيد الأصول والملاذ الآمن التاريخي للحكومات والأفراد في مواجهة التضخم والصدمات "الذهب". هذا لن يكون استثناء، فقد أدركت الحكومات بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع التضخم أن الذهب هو الحصن المنيع لحماية الاقتصاد. هذا الهدف لا يعني التخلي عن الجاذبية الاستثمارية، فمنذ بداية 2025 حقق الذهب مكاسب تخطت 25%.

الذهب ليس الطريق الوحيد لتنويع الاستثمارات، التوجه نحو أسواق جديدة للتأدية دور أكبر في أسواق الأسهم والسندات يمثل خيارا مهما، فقد بدء اليورو يستعيد بريقه من جديد مع استقرار التضخم والدعم الحكومي للاقتصادات، ما يوفر فرصة مهمة لاقتناء السندات المقومة بالعملة الأوروبية.

في الصين تشير التقديرات إلى انخفاض في تقييمات الأسهم وبخاصة في القطاع التكنولوجي الصاعد بقوة، ما يشكل نقطة جذب للصناديق الاستثمارية الحكومية والخاصة في السعودية.

خطط تنويع المحافظ الاستثمارية يمكن أن تمتد لدعم خطط التحول الاقتصادي للسعودية. ففي ظل بيئة اقتراض دولية مرتفعة التكلفة، فإن التركيز على توفير التمويل للشركات المحلية في القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالرؤية، إضافة إلى ضخ الاستثمارات بشكل مباشر في سوق الأسهم السعودية سيسهم في حل معضلة التمويل التي تعانيها السوق في الوقت الحالي.

تحويل الأصول إلى أداة لجذب الاستثمار الأجنبي وبناء الشراكات مع الشركات الدولية تمثل محورا مهما أيضا لدعم خطط التنويع الاقتصادي. حيث تملك السعودية رؤية طموحة لتَحول اقتصادها تقوم على تعزيز القيمة المضافة من قطاعات بعينها مثل التصنيع المتقدم والتكنولوجيا. وتمثل الاستثمارات ورقة رابحة في أيدي السعودية لتعزيز جاذبية السوق وبناء القدرات المحلية بالتعاون مع المستثمرين الأجانب.

التكامل الإقليمي عبر الاستثمار في مشاريع صناعية وزراعية في دول المنطقة بهدف بناء وتعزيز مرونة سلاسل الإمداد المحلية هي أحد محاور تنويع المحفظة الاستثمارية. فالسعودية تعتمد على الخارج لتلبية احتياجات القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، ما يجعلها عرضة للصدمات ويترجم في شكل تضخم مستورد. بالتالي فإنه من المهم بناء شبكة من المشاريع في الدول المجاورة تسهم في تخفيف العبء عن الميزان التجاري وضمان التدفق المستمر للإمدادات.

في الختام فإن الظروف الاقتصادية والجيوسياسية أصبحت تفرض واقعا جديدا يحتاج إلى اتخاذ خطوات مختلفة تضمن الحفاظ على القيمة الحقيقة للأصول الخارجية وتحميها من التقلبات. وتتنوع الخيارات أمام السعودية لتحقيق هدفها، ما بين الاتجاه للطريق الآمن كالذهب، أو التركيز على الاقتصاد المحلي ودعم رؤيته الطموحة لعام 2030.

مستشارة اقتصادية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي