"تأثير واشنطن" قد يحسم سباق الذكاء الاصطناعي

عمل وادي السيليكون على رعاية النفوذ الأمريكي بقيادة الرئيس ترمب من خلال ممارسة الضغط العنيف، والتعيينات الرئاسية الاستراتيجية. والآن، على الرغم من نفور صناعة التكنولوجيا من تعريفات ترمب وأولوياته السياسية، فإن جهودها بدأت تؤتي ثمارها، حيث يعمل القادة الجمهوريون على إعاقة تنظيم التكنولوجيا ليس فقط في الكونجرس ــ حيث كان التقدم التشريعي مستبعدا دائما ــ ولكن أيضا على مستوى الولايات وحول العالم.
كجزء من مشروع قانون ميزانية ترمب يدرس المشرعون فرض حظر لمدة عشر سنوات من شأنه أن يمنع الولايات الأميركية من تنظيم الذكاء الاصطناعي. هذا الحظر المقترح كفيل بتقويض الجهود المبذولة لفرض الشفافية في إدارة أنظمة الذكاء الاصطناعي، وحماية المستهلكين من تثبيت الأسعار خوارزميا، والحد من مراقبة العمال. ورغم أنه من غير المرجح أن يجتاز القواعد الإجرائية في مجلس الشيوخ، فإن السيناتور الجمهوري تيد كروز تعهد بملاحقة حظر مماثل في التشريعات في المستقبل.
من منظور صناعة التكنولوجيا، كان الاستباق الفيدرالي يشكل لفترة طويلة إستراتيجية يمكن التعويل عليها لتجنب قوانين الولاية المزعجة. كما أنه يتوافق مع الجهود التي يبذلها الجمهوريون لتركيز السلطة التنظيمية للذكاء الاصطناعي داخل البيت الأبيض. وقد يفسر هذا سبب تركيز الحوار الدائر حول الحظر المقترح إلى حد كبير على المخاوف الجيوسياسية وليس حقوق الولايات.
على سبيل المثال، في جلسة استماع في الكونجرس بشأن الاقتراح، حوّل المشرعون والشهود الخبراء ما كان ينبغي أن يكون محادثة حول دور مجالس الولايات في ساكرامنتو ودنفر إلى خطب هجاء عصماء ضد الإفراط في التنظيم في بروكسل والاستبداد في بكين. إذا انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى خليط من قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات، فستناضل الشركات الأمريكية في محاولة تعزيز الإبداع والمنافسة مع الصين.
ولكن هل لا تزال بروكسل هي بروكسل؟ قبل أي مناقشة حول استباق الذكاء الاصطناعي، بدأت إدارة ترمب بالضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل تخفيف قوانين التكنولوجيا مثل قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية. في فبراير، في كلمة ألقاها نائب الرئيس الأمريكي جيه. دي. فانس، أمام قاعة ضمت قادة الاتحاد الأوروبي والعالم في قمة الذكاء الاصطناعي في باريس، شجب نائب الرئيس الأمريكي "القواعد الدولية المرهقة" التي تطبق على الشركات الأمريكية.
تشير بعض الدلائل إلى نجاح هذه الإستراتيجية. تبرز خطة عمل الذكاء الاصطناعي في القارة التي طرحها الاتحاد الأوروبي أخيرا نهجا أكثر ليونة في التعامل مع التنظيم، كما يعمل القائمون على إنفاذ القانون على خفض الغرامات المفروضة على شركات التكنولوجيا الأمريكية. من ناحية أخرى، تواصل تلك الشركات الأمريكية ذاتها الضغط، فتمارس الضغوط على المفوضية الأوروبية لحملها على الإبقاء على قواعد الذكاء الاصطناعي "بسيطة قدر الإمكان". ويظل تنظيم التكنولوجيا يشكل أيضا نقطة خلاف في سياسة ترمب التجارية.
ويتجلى المنطق ذاته في السياسة الداخلية الأمريكية. فقد اختفت "الاجتماعات التشريعية" من زمن بايدن التي جمعت بين مشرعي الولايات لمعالجة القضايا المهمة على المستوى الوطني. وبدلا من ذلك، يريد الجمهوريون تحويل البيت الأبيض إلى غرفة مقاصة مركزية لجميع سياسات الذكاء الاصطناعي، حتى لو كان ذلك يعني منع مسؤولي الولايات من تقديم سبل الحماية ضد الممارسات التعسفية.
أن السلطة الفيدرالية، حتى في عصر التراجع التنظيمي، ستشكل مسار التكنولوجيا الأميركية في المستقبل. إن "الفوز بسباق الذكاء الاصطناعي"، وهو هدف غامض وغير قابل للتحديد إلى حد كبير، سيعتمد على سلطة الدولة الأمريكية والإكراه السياسي بقدر ما يعتمد على الاستثمار الخاص. ومهما كانت احتمالات التعاون المتعدد الأطراف ضئيلة، فإن تأثير واشنطن يتضاءل بسرعة.
سيعتمد قسم كبير من الأمر على كيفية استجابة الصين. ومع ذلك، باستثناء أولئك الذين سيستفيدون مباشرة من سباق التسلح التكنولوجي، نجد أن التوقعات قاتمة: فمع تزايد حِـدّة الخطاب القومي، تتفوق مصالح شركات التكنولوجيا المهيمنة على نحو متزايد على رؤية نظام الإبداع الذي يخدم الصالح العام.
الواقع أن الولايات المتحدة تعشق تصوير نفسها على أنها بطل الإبداع الأول في العالم. لكن استراتيجيتها لتحقيق تفوقها في مجال الذكاء الاصطناعي تعتمد على التجاوزات الإمبريالية وتوسع السلطة التنفيذية غير المقيد. لا تفضل إدارة ترمب الولايات الحمراء على الزرقاء، ولا تتعاون مع الحلفاء الأوروبيين للتغلب على الصين. بل تسعى بدلا من ذلك إلى انتزاع السلطة من أجهزة الدولة والشركاء الأجانب على حد سواء، مع إعطاء الأولوية للافتراس على الحوكمة الفعّالة.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي