سياسة السويد الاقتصادية تصنع أعلى نسبة أثرياء في العالم بـ 600 ألف مليونير

سياسة السويد الاقتصادية تصنع أعلى نسبة أثرياء في العالم بـ 600 ألف مليونير
تأتي 70% من ثروات المليارديرات في السويد من القطاعات التقليدية مثل العقارات والإرث.

ينظر عادة إلى السويد على أنها رمز من رموز المساواة الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، إذ اعتادت البلاد تخصيص نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العام على الرعاية الصحية والتعليم والدعم الاجتماعي، غير أن السويد تسجل اليوم واحدا من أعلى معدلات أصحاب الملايين والمليارديرات، ليس فقط في أوروبا، بل في العالم.

ففي عام 1996، لم يكن عدد أصحاب الملايين في السويد يتجاوز28 مليونيرا، معظمهم من عائلات ثرية منذ أجيال، وبحلول عام 2021، ارتفع عددهم إلى542 شخصا يملكون مجتمعين ثروة تعادل 70% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

أما اليوم، فقد وصل عدد أصحاب الملايين إلى 600 ألف مليونير، إلى جانب 45 مليارديرا. وبما أن عدد سكان السويد يبلغ نحو11 مليون نسمة، فهذا يعني وجود نحو 4 مليارديرات لكل مليون نسمة، وهي نسبة تتجاوز حتى نظيرتها في الولايات المتحدة التي يبلغ فيها العدد مليارديرين لكل مليون نسمة، رغم أن الولايات المتحدة تضم813 مليارديرا وهو الرقم الأعلى عالميا لكن عدد سكانها يصل إلى 342 مليون نسمة.

يرى الدكتور إليسون هيلي، أستاذ الاقتصاد الأوروبي، أن التحولات الجذرية التي أدخلتها السويد على نظامها الضريبي منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بدأت تؤتي ثمارها.

"إلغاء ضرائب الثروة والميراث والهدايا، وخفض معدلات الضرائب على الأرباح الناتجة عن الأسهم وأصبحت أقل بكثير من ضرائب الرواتب، إضافة إلى خفض ضريبة الشركات من نحو 30% في التسعينيات إلى نحو 20% فقط، وهو ما يقل قليلا عن المتوسط الأوروبي، أسهم في إعادة جذب رؤوس الأموال التي كانت تغادر البلاد، وأسهم في استقرار كبار رواد الأعمال داخل السويد".

ويضيف الدكتور هيلي أن "السياسات النقدية لعبت أيضا دورا مهما في تعزيز تراكم الثروات، حيث سادت أسعار الفائدة المنخفضة لفترات طويلة، ما جعل الاقتراض أسهل وزاد من وتيرة الاستثمارات، خصوصا في القطاع العقاري وقطاعات التكنولوجيا".

وقد أسهم ذلك في ازدهار السويد كمركز تقني عالمي، يشار إليه اليوم بـ"وادي السيليكون الأوروبي". ففي العقدين الماضيين، ظهرت أكثر من 40 شركة ناشئة تجاوزت قيمة كل منها مليار دولار أمريكي، من بينها سكايب وسبوتيفاي، ما حول مؤسسيها إلى مليارديرات بارزين.

ومع ذلك، تظهر الإحصاءات أن نحو 70% من ثروات المليارديرات في السويد لا تزال تأتي من القطاعات التقليدية مثل العقارات والإرث، بينما لا تتجاوز الثروات المتولدة من الابتكار والتكنولوجيا 12% فقط من إجمالي ثروات الأثرياء، وهي نسبة أدنى من مثيلاتها في معظم الدول الصناعية.

لكن العوامل الاقتصادية وحدها لا تفسر هذه الظاهرة بالكامل. فالثقافة المجتمعية لعبت هي الأخرى دورا حاسما في قبول صعود طبقة الأثرياء.

توضح الباحثة في الاقتصاد الاجتماعي أنجيليك روكاس أن الأجيال الشابة في السويد أقل عداء للأثرياء مقارنة بشعوب أوروبية أخرى، بل إن عديدا من رواد الأعمال الناجحين باتوا ينظر إليهم كنماذج يحتذى بها. "فقط 32% من السويديين يؤيدون فرض ضرائب مرتفعة جدا على الأغنياء، وهي نسبة أقل بكثير من مثيلاتها في ألمانيا أو فرنسا. هناك مستوى عال من الثقة الاجتماعية، وإيمان واسع بأن النجاح المالي قد يكون مشروعا ومُستحقا".

عزز التقبل الثقافي توسع الطبقة الثرية، ما أسهم في ترسيخ مكانة السويد كمركز مالي وتقني أوروبي، وجذب مزيد من الاستثمارات، كما ساعد على إبقاء الثروات داخل البلاد بدلا من تهريبها إلى الخارج.

غير أن هذا النمو لم يخل من التحديات، فقد ارتفع مؤشر "جيني" لقياس عدم المساواة من0.21 إلى 0.26 خلال السنوات الأخيرة، ما ينذر باتساع فجوة التفاوت الطبقي. كما أن الاعتماد المفرط على الثروات الموروثة بدلا من تلك الناتجة عن الابتكار والإنتاج يثير مخاوف من تراجع الحراك الاجتماعي في البلاد، ويشعر شريحة من المواطنين بأن فرص الصعود الاقتصادي أصبحت أكثر انغلاقا.

الأكثر قراءة