كيف صدمت أسعار النفط الأسواق؟

ارتبطت أسعار النفط بأحداث تاريخية شكلت معها قفزات ومحطات مهامة وكانت نقاط تحول ظل تأثيرها لعقود من الزمن بل وترك أثراً هائلاً على سلوكها ومنحنى أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية. كانت الأحداث الجيوسياسية والحروب والصراعات محركاً رئيسياً يقود أسعار النفط إلى ارتفاعات كبيرة لا سيما إذا حدثت في مناطق الإنتاج وشكلت تهديداً لمنابع النفط وممراته البرية والبحرية.
ففي 1973 وسط أحداث حرب أكتوبر قررت الدول العربية في منظمة أوبك حظر النفط العربي وقفزت أسعار النفط بنسبة 400% من 3 دولارات للبرميل إلى 12 دولار، تسبب هذا القرار بنقص حاد في الامدادات ودب الذعر في الأسواق، كان هذا الحدث نقطة مفصلية في تاريخ النفط ومنحنى الأسعار، بعدها بـ6 سنوات اندلعت الثورة الإيرانية لتقفز الأسعار بنسبة 150% وتصل الأسعار إلى مستويات 40 دولار حيث قاد انخفاض الإنتاج الإيراني ثاني أكبر منتج للنفط آنذاك إلى تلك الارتفاعات إضافة إلى حالة عدم اليقين التي تركتها أحداث الثورة الإيرانية في المنطقة.
بيد أن بداية الحرب الإيرانية العراقية في عام 1980 كانت سبباً آخر لمواصلة ارتفاعات أسعار النفط التي أذنت بانخراط منشآت النفط في الحرب حيث تم استهداف العديد منها وتعرض بعضها للتدمير في ظل سعي كلا الطرفين لإلحاق الضرر الاقتصادي ببعضهما البعض.
وما أن وضعت الحرب الإيرانية العراقية أوزارها حتى حدث حدثاً تاريخياً غير المنطقة واسهم في ارتفاع اسعار النفط بنسبة بلغت 100% حيث توقفت صادرات النفط الكويتي وخسرت الأسواق الصادرات النفطية العراقية نتيجة العقوبات المفروضة عليه.
وفي الألفية الجديدة كانت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير عام 2022 حدثا مفصليا هاماً في اتجاهات اسعار النفط حيث قفزت إلى 130 دولارا من مستوى 90 دولارا مدفوعاً بالخوف من نقص الإمدادات الروسية وسط تعافي الطلب العالمي الذي خرج للتو من أزمة جائحة كوفيد- 19.
هذه الأحداث والظروف والصراعات الجيوسياسية التي قادت إلى ارتفاعات قياسية في أسعار النفط لم تكن أقل أهمية مما حدث هذا الأسبوع حيث دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على إيران وأعلنت قصفها للمنشآت النووية الإيرانية و اسقطت 12 قنبلة على مفاعلات نووية رئيسية محصنة داخل الأراضي الإيرانية، كان هذا الحدث تطوراً كبيراً في مسار ال 12 يوماً من الحرب التي دارت رحاها وسط أكبر مناطق إنتاج النفط في العالم، الحرب التي تعرضت فيها المنشآت النفطية للتدمير وتصاعدت معدلات التهديد على الممر المائي الذي يمر منه 5 إنتاج العالم من النفط وهو مضيق هرمز حيث إشارات التوقعات إلى رد إيراني على الهجوم الأمريكي على المفاعلات النووية يتمثل بإغلاقه ومنع الناقلات النفطية من حرية الحركة فيه.
كان الحدث يشكل تهديداً حقيقياً لمنابع النفط في إيران وفي كامل منطقة الشرق الأوسط وتهديداً كبيراً للممر المائي الذي يغذي 20% من احتياج العالم من النفط بل وتطور الصراع بشكل غير مسبوق ليتم قصف القاعدة الأمريكية في قطر كرد إيراني وإن كان رمزياً وغير ذي أثر من حيث الأضرار البشرية والمادية.
تلك الأحداث هذا الأسبوع قادت إلى ارتفاع مؤقت في اسعار النفط إلى مستوى 80 دولار ولكن ما لبثت أن خالفت اتجاه الأحداث وهبطت بشكل كبير وسط تصاعد الأحداث وتزايد القلق. وقد يسأل كثيرون وهم محقون لماذا تتصرف الأسعار بهذا الشكل وتستجيب لهكذا ظروف وتهديدات وأجواء حرب في منطقة الشرق الأوسط وحول ممرات النفط الرئيسية عكس الأحداث التاريخية الآنف ذكرها؟.
الحقيقة أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تصرف أسعار النفط بهذا الشكل وبشكل معاكس تماماً لتوقعات أغلبية المراقبين والمهتمين بالشأن النفطي العالمي ولعل أولها أن الإمدادات لم تتأثر فعلياً فلم يحصل نقص حقيقي في الإمدادات بما فيها النفط الإيراني نفسه الذي ظل يتدفق في أوج الحرب متجهاً للأسواق الآسيوية.
السبب الآخر أن المضيق لم يُغلق ولم يتم التضييق على حرية الحركة والملاحة البحرية وهو ما كان يُعد أحد السيناريوهات المحتملة المتوقعة في ظل تطور الحرب التي امتدت لـ 12 يوماً.
سبب ثالث أدى إلى سلوك غير متوقع في منحنى أسعار النفط هو شعور الأسواق بوفرة المعروض وتوفر السعة الإنتاجية الجاهزة للدخول إلى الأسواق متى ما تطلب الأمر ذلك في حال نقص الإمدادات.
أم رابع الأسباب فهو الحذر الشديد الذي انتهجه المتعاملين في أسواق النفط، هذا الحذر كان مدفوعاً بالقلق من التقلبات الاقتصادية العالمية التي تسببت بها قرارات الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بفرض الرسوم الجمركية على عديد دول العالم.
والسبب الخامس هو قراءة أسواق النفط الجيد للمشهد الذي كان يوحي بأن الصراع في بداية النهاية الحقيقية ويُراد له أن ينتهي بشكل سريع وأن تضع الحرب أوزارها رغم الحدة التي صبغت آخر أيامها بل وإن كانت رمزية كذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي