من يتحمل تفاقم أزمة الديون المتعثرة في الصين؟
تزامنا مع تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع النشاط العقاري بشكل حاد، تواجه الصين تصاعدا مقلقا في أزمة الديون المتعثرة، التي باتت تمثل أحد أبرز التحديات أمام استقرار النظام المالي الصيني.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي القروض المتعثرة في الصين بلغت نحو 470 مليار دولار، لكن هذا الرقم لا يُظهر الصورة كاملة، ومع إضافة "القروض قيد الملاحظة"، وهي ديون مرشحة للتحول إلى متعثرة، يقفز الرقم إلى ما يتجاوز 650 مليار دولار.
ووصفت باربر وندسور، أستاذة النظم المصرفية، أن جوهر الأزمة لا يكمن فقط في حجم القروض المتعثرة، بل في تمركزها داخل المصارف الريفية، التي تؤدي دورا حيويا في تمويل القطاع الزراعي، أحد ركائز الأمن الغذائي والنمو المستدام في الصين.
وندسور أوضحت لـ "الاقتصادية" أن المصارف الريفية تعاني من هشاشة كبيرة، وتبلغ نسبة القروض المتعثرة لديها ضعف المعدل العام للقطاع المصرفي في الصين، مضيفة: "وتزداد المخاطر مع وجود أكثر من 3 آلاف مؤسسة ريفية للإقراض تعمل في بيئة تنظيمية غير موحدة".
بدوره، رأى لوغان كريس الاستشاري السابق لمجموعة "نيت ويست" المصرفية أن الصين تمر بأزمة مصرفية بطيئة الحركة، وأن العمليات المتكررة لإعادة هيكلة مصارفها خاصة الصغيرة والمتوسطة فشلت في تقديم حل جذري لقضية الديون المتعثرة.
كريس قال في حديثه لـ "الاقتصادية" إنه بدلا من معالجة الخلل، اتجهت السلطات إلى دمج البنوك الصغيرة داخل كيانات أكبر، وهو ما فاقم الضغوط على رؤوس أموال المصارف الكبرى وأضعف هوامش ربحيتها".
وأضاف: "إستراتيجية التوسع الرأسي في النظام المصرفي الصيني خلقت بيئة مالية مشوهة، بإجبارها البنوك الكبرى على امتصاص خسائر البنوك الصغيرة دون وجود حوافز حقيقية أو إصلاحات هيكلية مصاحبة".
وفي محاولة لمعالجة هذا الخلل، أطلقت الحكومة الصينية في عام 2024 حزمة إنقاذ مالي بلغت 500 مليار يوان لتعزيز رؤوس أموال البنوك الكبرى، إلا أن نتائج هذه الخطوة ظلت محدودة، خصوصا مع استمرار تدهور جودة الأصول وضعف الطلب على القروض.
من أبرز مسببات تفاقم أزمة الديون المتعثرة، انهيار السوق العقاري، الذي أدى إلى خسائر ضخمة في ثروات الأسر الصينية قدرت بـ18 تريليون دولار منذ عام 2021، بحسب تقديرات بنك باركليز.
وقال البروفيسور كلارك كوران، أستاذ الاقتصاد الآسيوي، إن الاعتماد المفرط على العقارات كمحرك للنمو الاقتصادي أصبح عبئا خطيرا، إذ لم يعد المشترون الجدد قادرين على سداد أقساط الشراء أو إعادة بيع الوحدات السكنية، ما زاد من معدلات التعثر في القروض العقارية لدى البنوك.
وبحسب مراقبين، فأن أزمة الديون في الصين ليست محلية بالكامل، بل تسارعت بفعل السياسات التجارية الأمريكية، خاصة منذ وصول الرئيس دونالد ترمب للبيت الابيض، الذي فرض رسوما جمركية مرتفعة على السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة. وقال لـ "الاقتصادية" الباحث الاقتصادي بيل سبرجز إن الرسوم أدت إلى تراجع كبير في صادرات المصانع الصينية، لاسيما في شمال وشمال شرق البلاد، ما أضعف القدرة التشغيلية للشركات الصغيرة والمتوسطة، ودفع عددا كبيرا منها إلى العجز عن سداد القروض الممنوحة لها من المصارف المحلية.
ولم تقتصر التداعيات على الصادرات فقط، بل شملت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث أدت حالة عدم اليقين إلى تشديد شروط الائتمان وتجميد خطط التوسع الائتماني، لا سيما من البنوك الصغيرة التي تشكل حلقة التمويل الأساسية للمشاريع المحلية. هكذا تكشف أزمة الديون المتعثرة في الصين عن خلل متعدد الأبعاد يتجاوز المؤسسات المالية، ليطال بنية النمو الاقتصادي نفسها، فالمزج بين الاعتماد المفرط على العقارات، واندماج المصارف الصغيرة داخل كيانات أكبر دون إصلاحات حقيقية، والضغط الخارجي الناتج عن الحروب التجارية، كلها عوامل اجتمعت لتجعل من الديون المتعثرة قنبلة صامتة تهدد ثاني أكبر اقتصاد في العالم.