السوق الموحدة والقدرة الاقتصادية للصمود ضد المخاطر

يمكن للشركات حديثة العهد ذات النمو المرتفع تحقيق استفادة كبيرة من زيادة توافر رؤوس الأموال وانخفاض تكاليف التمويل –أي رؤوس الأموال التي يمكن أن تتوافر بفضل تكامل الأسواق، ولا سيما إذا اقترن ذلك بإصلاحات وطنية لإطلاق العنان للاستثمار في رأس المال المُخاطر.
وفي الوقت نفسه، يجب على البلدان توخي الحذر ألا تقوض السوق الموحدة وجميع الفرص التي تتيحها بانتهاج سياسة صناعية تفتقر إلى حسن الإعداد. ويمكن للسياسة الصناعية أن تضطلع بدور إذا صححت إخفاقات السوق -على سبيل المثال عن طريق دفع الشركات إلى أن تصبح أكثر اخضرارا أو الاستفادة من التكنولوجيات التحويلية. إلا أنه من غير المنطقي حماية الصناعات الناضجة من التحولات الهيكلية الهائلة. ومن ثم، يجب أن تستشرف أوروبا المستقبل، لا أن تنظر إلى الماضي.
إلا أنه حتى السياسة الصناعية الموجهة بدقة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية من خلال تحويل أنماط التجارة والإنتاج بعيدا عن المجالات الراسخة التي تتمتع بمزايا تنافسية. ومن ثم، يجب على البلدان تنسيق السياسات الصناعية أو الأفضل من ذلك، الاتفاق على مجموعة من هذه السياسات على مستوى الاتحاد الأوروبي
قدرة أكبر على الصمود.
من شأن وجود سوق موحدة متكاملة بشكل تام أن يُعزز أيضا قدرة أوروبا الاقتصادية على الصمود في عالم اليوم المحفوف بالمخاطر والعرضة للصدمات. فالشركات التي تخدم مزيدا من العملاء في عدد أكبر من البلدان تكون أقل تأثرا بالتقلبات الاقتصادية في موطنها. وينطبق المبدأ نفسه على محافظ الاستثمارات الشخصية حينما تنخفض الحواجز المفروضة على الأسواق المالية ويوزِّع الأفراد حيازاتهم في أنحاء الاتحاد الأوروبي. ويمكن لاقتسام المخاطر أن يحقق منافع كبيرة، غير أن تنويع الأصول لا يزال محدودا مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة.
وبالمثل، يمكن للاتحاد الأوروبي الحد من اعتماده على واردات النفط والغاز، وحماية نفسه من تقلبات أسواق الطاقة العالمية، وخفض أسعار المستهلكين من خلال سوق للطاقة أكثر تكاملا.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من الإصلاحات في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تتوافق الجهود الوطنية مع الطموحات الإقليمية. ويوضح بحثنا الذي سيصدُر قريبا أن أسواق العمل ورأس المال البشري والضرائب في أمس الحاجة إلى الإصلاح من أجل تعزيز النمو. ويمكن للاقتصادات المتقدمة تحقيق أقصى استفادة من إلغاء القيود التنظيمية على أسواق المنتجات، وتعميق أسواق الائتمان ورأس المال، وتعزيز الابتكار. وفيما يتعلق بكثير من بلدان وسط أوروبا وشرقها وجنوبها، تتمثل أهم الأولويات في الاستثمار في العمالة الماهرة، والتخلص من الروتين الإداري، وتحسين الحوكمة. ومن ثم، يمكن أن تكون مكاسب النمو كبيرة.
قوة التكامل
أدت عملية التوسع في عام 2004 إلى انضمام قبرص والجمهورية التشيكية وإستونيا وهنغاريا ولاتفيا وليتوانيا ومالطة وبولندا والجمهورية السلوفاكية وسلوفينيا إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد عقدين من الزمن، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في هذه البلدان بأكثر من 30% عما كان سيصل إليه لو لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبي. أما في البلدان التي كانت أعضاءً بالفعل في الاتحاد الأوروبي، فقد زاد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 10% عما كان سيصل إليه في حالة عدم التوسع (دراسة Beyer, Li, and Weber 2025).
وتؤكد هذه القفزة في مستويات المعيشة الأثر القوي للتكامل. وتمثل مقترحات الإصلاح الحالية بداية، ولكن من الضروري وجود مزيد من الطموح. فوجود سوق موحدة أقوى يمكن أن تؤدي إلى تحسن الآفاق الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، ودعم أولويات سياساته، وتعزيز قدرته على الصمود، بما يضمن أن تظل هذه المنطقة رائدة عالميا في الابتكار والاستقرار وجودة الحياة. وهذه فرصة لا تملك أوروبا ترف إهدارها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي