البنوك السويسرية بين هيمنة الاقتصاد وقوة القانون
(لن نستثمر في بنوك سويسرا مجدداً) هكذا أنهى معالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان بكل حزم ما توقعت البنوك السويسرية منذ أزمة (كريدي سويس) في 2023 صعوبة إنهائه معتمدين على الهالة السويسرية للاقتصاديات البنكية التي أحاطت بها أوروبا وحلفاؤها سويسرا منذ 1948، وأن سويسرا بلد الملاذ البنكي الآمن والمستقر والمحمي، من هنا ننطلق لمعرفة قناعة أن الأزمات تدار بالقانون لا بالاقتصاد، فكان الحل الاقتصادي حاضر لمدة سنتين إلا أن السويسريين لم يلتفتوا له بالشكل المطلوب، ما حدى بمعالي الرميان للاتجاه للحل القانوني من إيقاف الاستثمار رداً على قرار الحكومة السويسرية بتجاوز قوانين الاندماج.
وهذا ينقلنا لأمر مهم، وهو من المسيطر الفعلي على صنع القرار هل هو الاقتصاد أم القانون؟
والإجابة في الحقيقة ليست سهلة وفيها من التعقيد شيء كثير، لكن لتبسيط الأمر من المناسب أن نبين منهجية المهيمن العالمي لتحديد الهيمنة الفعلية.
فحتى 1948 كان القانون هو المهيمن دون منازع، وذلك لقناعة الملكية البريطانية بألا يتم الاتفاق إلا عبر قانون سابق لما يراد الاتفاق عليه، فالقانون الأنجلو سكسوني صارم وواضح، ولهذا نجد أن أكثر الاتفاقات العالمية وضوحاً هي الاتفاقيات البريطانية، وانجر هذا الأمر على الدساتير التي هيمن الإنجليز على دولها حتى ستينيات القرن الماضي.
وفي هذه الحقبة بدأت تظهر ثقافة المنتصر أعني الولايات المتحدة الأمريكية من تغليب الاقتصاد على القانون، فنجد الاتفاقات المبرمة خلال 1948 وما بعده وتكون أمريكا طرفاً فيها نجد أنها تنطبع بهذا الطابع أعني طابع الهيمنة الاقتصادية وذلك كاتفاقية "الجات" التي تحولت إلى منظمة التجارة العالمية لنجد أن أهم أمر قانوني الذي هو حل النزاعات صيغ بأقل مستوى كمذكرة تفاهم وهي موجودة حتى تاريخنا هذا على وضعها.
فالتوجه الأمريكي يؤمن بالهيمنة الاقتصادية وأن القانون يأتي تبعاً لما يريده الاقتصاد وساسته، لكن هذا الأمر لا يسلم من تعديل فالأزمة المالية في السبعينيات لدى نيكسون وأزمة الاتحاد السوفيتي في الثمانينات لدى ريجان وأزمة الخليج في التسعينيات لدى بوش الأب وأزمة سبتمبر في الألفية الثانية لدى أوباما واليوم أزمة الصين لدى ترمب، نجد هؤلاء الرؤساء الأمريكيين يتنازلون عن الاقتصاد ويميلون للهيمنة القانونية.
من هنا نتيقن أنه مهما كان التوجه يبقى القانون هو سيد الموقف، والدول التي لا تبني اقتصاداتها على قوانين واضحة ستتعرض للهدم حتماً يوماً ما ما لم تتدارك وتعدل أوضاعها، وهذا ما حل في البنوك السويسرية التي تجاوزت القوانين لتلبية حاجة اقتصادية داخلية متجاهلة قوة المستثمرين وصلابة قوانينهم السياسية والاقتصادية والجزائية.