تراجع الدولار كملاذ آمن "الأسباب والبدائل"

عندما يمر العالم بأزمات اقتصادية أو سياسية، تبرز بما يسمى "الملاذات الآمنة" التي يتجه إليها عموم المستثمرين عند حدوث الأزمات, ومن أبرز تلك الملاذات هو الدولار, وقد اكتسب الدولار قوته من عدة جوانب أولها: أن السلع والمعادن كلها مسعرة في الأسواق المالية بالدولار, كالنفط والذهب والفضة بل وحتى السلع الغذائية التي يتم تداولها في الأسواق المالية, وبالتالي للحصول عليها لا بد من حيازة الدولار, هذا من جانب، ومن جانب آخر قوة الاقتصاد الأمريكي (بلد منشأ الدولار) فالولايات المتحدة تعد أكبر اقتصاد في العالم, وبالتالي تستثمر عديد من الحكومات والمؤسسات المالية في السندات الأمريكية بأنواعها, ما يصب أيضاً في مصلحة الدولار ويقدم مزيدا من الدعم له.

لذلك عند حدوث أزمة تعصف بالأسواق المالية تنخفض شهية المستثمرين تجاه الأصول ذات المخاطر كالأسهم وغيرها، وبالتالي يلجؤون الى الدولار الذي يعد ملاذا آمنا, لذلك لا عجب أن هناك علاقة عكسية بين الدولار من جهة والأسهم والنفط والذهب من جهة أخرى، ألا أن قوة الدولار في الآونة الأخيرة بدأت تضعف إلى حد كبير، وبالتالي بدأ الذهب يغرد منفردا كملاذ آمن.

ولا شك أن تراجع مؤشر الدولار منذ بداية العام الجاري بأكثر من 11% رغم الأزمات التي عصفت بالأسواق يعكس بوضوح أن بريق الدولار عند الأزمات بدأ يخفت، وربما يكون هذا الضعف نابع من تغير نظرة العالم تجاه الدولار التي كما يبدو أنها لن تكون قصيرة المدى، فضلا عن أن أي تخفيضات إضافية لمعدلات الفائدة ستعمق من تراجع الدولار الذي لم تسعفه الأزمة الحالية التي تمر بها الأسواق حتى لالتقاط بعض من الأنفاس.

وكما يقال فإن مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد حظي "الذهب" بحكم أنه يعد ضمن الملاذات الآمنة بإقبال كبير سواء من البنوك المركزية التي لا تزال ترفع حيازتها من المعدن الأصفر منذ سنوات أو المستثمرين من مؤسسات مالية وأفراد، لذلك ارتفع الذهب منذ مطلع العام الجاري بضعفي النسبة التي تراجع بها مؤشر الدولار حيث حقق الذهب قمما تاريخية مرتفعا بأكثر من 34% الى مستويات 3500 دولار للأونصة، التي يبدو أنها لن تكون المحطة الأخيرة في رحلته نحو الارتفاع.

ومن أبرز الأسباب التي دفعت لتراجع الدولار، هو الشرخ الذي أحدثته الولايات المتحدة بينها وبين بقية دول العالم عندما قامت بفرض عقوبات مشددة على روسيا، إبان حرب الأخيرة على أوكرانيا، وتبعتها بذلك الدول الغربية حيث تباينت تلك العقوبات بين تجميد أصول والاستيلاء على أخرى، حيث اعتبرت بعض الدول أن استثماراتها بالسندات أو الأصول الأمريكية قد تكون مهددة يوما ما بالتجميد ونحوه، على خطى ما حدث لروسيا وكما أن المصائب أيضا لا تأتي فرادى كما يقال، فقد أسهمت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترمب على أكثر من 180 دولة حول العالم بين عشية وضحاها في تعميق الشرخ بين الولايات المتحدة وبقية العالم.

ووفقا لصندوق النقد الدولي، تُمثل العملة الآن ما يقرب من 59% من الاحتياطيات العالمية، بعد أن كانت تتجاوز 70% في بداية القرن، ومع تراجع حيازة بعض الدول من السندات الأمريكية فإن ذلك لن يكون بمصلحة الدولار على المدى البعيد، وكما يقال فإن الثقة إذا فقدت فإنها لا تعود، رغم ذلك لا تزال هيمنة الدولار قائمة، لكن بريقها على المدى الطويل بدأ يبهت بسبب القرارات الأمريكية التي لم تعد متوقعة، ولعل ذلك يبدو واضحا إلى حد كبير لكل متابع لحركة الأسواق.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي