ماذا بعد تراجع البطالة إلى أدنى مستوى تاريخي؟
جاء تراجع معدل البطالة بين المواطنين إلى 7.0% (4.3% للذكور، 11.9% للإناث) مع نهاية 2024، نتيجةً طبيعية لتلاقي عدد من العوامل الأساسية الإيجابية المتحققة للاقتصاد السعودي، التي بدورها كانت ثمرة التحولات الهيكلية التي قادتها رؤية المملكة 2030، وأدّت إلى تحسّن النمو الاقتصادي الكلي الحقيقي بـ1.3% عن العام الماضي (بلغ 4.5% خلال الربع الرابع 2024)، وتسارع نموّه بوتيرةٍ أسرع للقطاع الخاص لنفس العام بـ4.3% (بلغ 4.6% خلال الربع الرابع 2024)، على الرغم من تباطئ نمو القطاع النفطي لنفس الفترة بـ4.4%، وذلك لارتفاع مساهمة النشاطات الاقتصادية غير النفطية إلى 69.1%، التي مكّنت الاقتصاد من امتصاص آثار تراجع أسعار النفط، ومكّنته في المقابل من الدفع بمعدل نموّه، وقدرته على توليد مزيد من الوظائف أمام الموارد البشرية المواطنة، بل دفعت معدل البطالة إلى وصوله إلى المعدل المستهدف لبرامج التوطين تحت مظلة رؤية المملكة 2030، وشجعت كثيراً على تقليص معدله المستهدف إلى 5% بحلول 2030.
وبالنظر إلى العوامل الأكثر تفصيلاً خلف المنجزات الأحدث لسوق العمل المحلية، التي تشمل عديداً من العوامل الاقتصادية والمالية الأساسية، فإنّ ما يأتي في مقدمتها وكركيزةٍ تمثّل في التحولات الجوهرية التي سبق العمل على تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع قبل أكثر من 3 أعوامٍ مضت، انطلقت من تحديث وزيادة مرونة ببرامج التوطين، للتكيّف مع المتغيرات التي طرأت على السوق ومخرجات التعليم والتدريب، إضافةً إلى عديدٍ من المتغيرات الاقتصادية محلياً وخارجياً، أسهمت في مجملها بإضفاء مزيد من المرونة على الخصائص المختلفة للوظائف في سوق العمل، وتركيز تلك البرامج بدرجةٍ أكبر على المزايا وقوة الطلب على الوظائف المتاحة في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني عموماً، وفي القطاع الخاص على وجه الخصوص، الذي وفّر بدوره إمكانية الإسراع بنمو الوظائف الأكثر طلباً من الموارد البشرية المواطنة.
وأدّى عبر تلك الفترات الزمنية إلى ارتفاع إجمالي العمالة المواطنة في القطاع الخاص بنهاية العام الماضي إلى أعلى من 2.4 مليون عامل مواطن ومواطنة، مسجلاً أعلى مستوى تاريخي لقدرة القطاع الخاص على شغل فرص العمل المتوافرة لديه بعمالة مواطنة.
كما تؤّكد حزمة المنجزات التنموية الملموسة لسوق العمل المحلية بشكلٍ عامٍ، وعلى مستوى تطوراته للقطاع الخاص على وجه الخصوص، وتحديداً في المسار التنموي الأكثر أهمية المتمثل في التسارع الجيد لتوظيف الموارد البشرية المواطنة.
كل ذلك يؤكد بالرجوع إلى أهم مؤشرات أدائه فترةً بعد فترةٍ على أهمية استمرار تعزيز وتطوير برامج ومبادرات التوطين المحلية، وأن تحافظ على سرعة استجابتها تجاه المتغيرات المتسارعة محلياً وخارجياً، ويزداد أهمية هذا الجانب في مواجهة الأوضاع غير المواتية التي لا زال الاقتصاد العالمي وعلى المستوى الإقليمي، المتمثلة في اتساع الضغوطات والتقلبات والتحولات المتجددة ومتنوعة من حينٍ إلى آخر.
ويُتوقع تصاعد مخاطرها خلال الأعوام القليلة القادمة على أغلب الاقتصادات حول العالم، وهو ما يؤكد الأهمية القصوى إلى أن تتحلّى برامج التوطين بمزيدٍ من التكامل والمرونة اللازمة مع منظومة السياسات الاقتصادية الحصيفة، التي وفّرت كثيراً من الاستقرار والمتانة للاقتصاد الوطني في وجه تلك المتغيرات الخارجية غير المواتية كما يشهده الواقع الدولي الراهن.
وتأتي أهمية هذا الحديث قياساً على عديدٍ من الاعتبارات، في مقدمتها النمو المتصاعد لمخرجات التعليم العالي والفني والعام من الموارد البشرية المواطنة، التي تتطلب توفير مزيد من الوظائف أمامها جهود أكبر من كل ما سبق بذله وتسخيره، وأن تندفع منشآت القطاع الخاص بخطى أسرع نحو الاعتماد بدرجةٍ أكبر على الموارد البشرية المواطنة، التي أثبتت كفاءتها ومهاراتها العالية في أهم نشاطات الاقتصاد الوطني، المندفع بدوره نحو مزيدٍ من تنويع قاعدته الإنتاجية تحت مظلة رؤية السعودية 2030.