صندوق أمريكا السيادي بين كفتي "سلطة المحفظة" وقيود التمويل
ليست فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي أمريكي بالجديدة؛ فقد ظلّت محل نقاش طويل بين الخبراء وصناع السياسات؛ وبينما استفادت دول عدة من مثل هذه الصناديق لإدارة الإيرادات الفائضة والاستثمار في الأصول الإستراتيجية، فقد اعتمدت الولايات المتحدة على هياكل مالية مختلفة لدعم الاستقرار الاقتصادي.
لإنشاء صناديق الثروة السيادية فوائد لا يمكن إنكارها؛ لكن في الحالة الأمريكية، تبرز تحديات كبيرة، تشمل الغموض التشريعيّ، وقيود التمويل، وغياب ثقافة التدخّل الحكومي، في بلد بنى اقتصاده على استثمارات القطاع الخاص.
علاوة على ذلك، فإن العجز المالي الأمريكي يُضعف مصادر تمويل الصندوق السيادي المحتمل؛ فالولايات المتحدة أكبر دولة مدينة في العالم، وتجاوز دينها العام 36 تريليون دولار.
فهل تنجح الولايات المتحدة في بناء صندوق ثروة سيادي مستدام ومؤثر، أم إن حقائق السياسة والاقتصاد ستجعل ذلك غير قابل للتطبيق؟
سُلطة المحفظة
الخبير الاقتصادي تيم أرفين قال لـ "الاقتصادية" إن إنشاء الصندوق السيادي "يتطلب موافقة الكونجرس، فالدستور يمنح الكونجرس سلطة المحفظة؛ أي إن تخصيص الأصول أو الإيرادات الفيدرالية لتمويل الصندوق السيادي يتطلب موافقة تشريعية".
أضاف: "هنا يبرز تساؤل حول الدعم الذي يمكن أن يتلقاه ترمب".
واستدرك قائلًا: "للجمهوريين أغلبية خمسة في مجلس النواب؛ وستكون هناك وجهات نظر متباينة بينهم تتعلق بآليات التمويل، والإستراتيجيات الاستثمارية، والمخاطر المحتملة، وطبيعة التدابير الإشرافية، وأحكام الشفافية. وغالبا، سيعارض أقصى اليمين الليبرالي، الرافض لفكرة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، الفكرة. ومن ثم، إذا تم تمرير المشروع، فإنه قد يفقد الكثير من محتواه".
في المقابل، ترى الدكتورة صوفي هانت، أستاذة الاقتصاد الدولي، أن الفكرة، وعلى الرغم من إيجابياتها، تواجه تحديا أساسيا يتعلق بمصادر التمويل.
مصاعب التمويل
قالت هانت لـ "الاقتصادية": "الرئيس ترمب تحدّث عن تريليوني دولار كقيمة لأصول الصندوق السيادي؛ وبالنظر إلى العجز المالي الحالي في الميزانية الأمريكية، فإن ذلك قد يعقّد الجهود الرامية إلى تمويل الصندوق".
وأوضحت أنّ المتوقّع أن يصل العجز الإجمالي للسنة الماليّة الراهنة إلى 1.9 تريليون دولار، أي 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
أضافت: "بالطبع، يُمكن تحويل الأصول الفيدرالية إلى سيولة نقديّة كآلية تمويل محتملة؛ لكن التفاصيل بهذا الشأن غير واضحة، وقد تواجه عقبات سياسيّة وعمليّة كبيرة".
مع ذلك، يرى بعض الخبراء أن فكرة صندوق الثروة السياديّ، تتناقض في الحالة الأمريكية مع فلسفة السوق الحرة التي يتبناها الاقتصاد الأمريكي منذ نشأة الدولة، والتي منحت الاقتصاد الأمريكي جوانب القوة التي يتمتع بها.
فالولايات المتحدة اعتمدت تاريخيا على القطاع الخاص لدفع النمو الاقتصادي، والاستثمار، والابتكار. ويصف أستاذ التاريخ الاقتصادي، البروفيسور م. كين، أفكار السوق الحرة بأنها حجر الزاوية للاقتصاد الأمريكي.
وقال كين لـ "الاقتصادية"، "عمليّا، تتمتع مؤسسات القطاع الخاص الأمريكي بكفاءة أعلى في تخصيص الأموال مقارنة بالحكومة الأمريكية، إذ تعرقل البيروقراطية الحكومية تعظيم العوائد من أصول الدولة، وتحدّ بشكل كبير من القدرة الابتكارية، كما أنها أقل مرونة بكثير من أسواق رأس المال في القطاع الخاص".
وتابع "إذا رُصد مبلغ تريليوني دولار، كما تعهد الرئيس الأمريكي لهذا الصندوق، فإن القدرة التمويلية العملاقة، والأطر البيروقراطية في الأجهزة الحكوميّة، ستؤدي حتما إلى تشوّهات في الأسواق الأمريكية واستنزاف ضخم للموارد".
ومن ثم، يبرز التساؤل: هل يمكن لصندوق الثروة السيادي، الذي تقوده الحكومة، أن يتعايش مع النظام الرأسمالي المتجذّر بعمق في الولايات المتحدة؟ أم إنه سيؤدي إلى صراعات بين الدولة والمؤسسات الخاصة؟