مفهوم كفاءة الحكومة
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الحكومات، تبرز الحاجة الماسة إلى تعزيز مفهوم كفاءة الأداء الحكومي، حيث تعد كفاءة الحكومة عاملاً حاسماً في تحقيق الأهداف الوطنية ورفاهية الناس وتحقيق نتائج بأفضل الطرق الممكنة، وقياس كفاءة الحكومة يسهم في توحيد الأداء مركزياً ويترك للتنفيذيين في الحكومة خيارات التنفيذ التي يرونها تتوافق مع طبيعة الخدمات ومستوى النضج في قطاعاتهم.
من منظور آخر: يسعى التنفيذيون في الحكومة إلى تحقيق الأهداف، وقد تكون بعض هذه الأهداف ذات تكاليف مرتفعة لا تظهر آثارها إلا في المستقبل. من ناحية أخرى، قد يرى الاقتصاديون العبء الإستراتيجي لهذه التكاليف مبكرا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتجارة الخارجية وجودة الحياة، لذا، فإن قياس كفاءة الحكومة لا يؤدي فقط إلى خفض التكاليف على المدى القصير كما في قياس كفاءة الإنفاق، بل يسهم أيضاً في تقليل التكاليف المستقبلية على الاقتصاد والمجتمع إستراتيجياً، وهذه المقاربة تجمع بين مركزية الأداء التنفيذي والخدمات ومركزية المالية مع التركيز على النتائج طويلة المدى.
هناك عوامل متغيرة تدفع الاقتصاديين نحو التفكير بطرق جديدة لتحقيق التوازن بين الأداء المالي والنتائج، هذه العوامل تشمل التوقعات المتزايدة، والشيخوخة السكانية، والتقلبات الاقتصادية العالية أو الطارئة، التي تضغط على الحكومات لزيادة قيمة الخدمات مقابل المال. معظم دول العالم ليست متكيفة ذاتياً لتحسين تخصيص الموارد مقابل النتائج طويلة المدى واحتياجاتها قصيرة المدى. لذلك تبنت معظم دول العالم بما في ذلك أمريكا أخيرا، مفهوم كفاءة الحكومة، الذي يركز على السيطرة على كفاءة الإنفاق للأموال، بمعنى آخر خفض التكاليف دون النظر إلى الاحتمالات المستقبلية وغير المنظورة.
بالنظر إلى أوجه القصور في تجارب الدول في كفاءة الحكومة، تركيز التنفيذيين الحكوميين على الأهداف التنفيذية دون مواءمتها مع نظرة الاقتصاديين، أي إن التنفيذيين لهم تفسيراتهم الخاصة وكذلك الاقتصاديون، وهذا التباين جعل من كفاءة الحكومة مفهوما ضيقا لا يغطي السياسات الاقتصادية والاجتماعية والنظرة الشمولية، وأعني هنا منظور الاقتصاديين، لكنه لا يكفي وحده، لأن منظور الاقتصاديين آمن جدا ومنظور التنفيذيين مغامر، ويجب الدمج بينهما، بدليل وصول الدين العالمي إلى 315 تريليون دولار، يعادل هذا الرقم ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ 110 تريليونات دولار، وكل هذه الديون جذرها الحقيقي مفهوم كفاءة الحكومة، ولهذا، الفترات التي تشهد ارتفاعا في مستويات الدين غالباً ما تتبعها أزمات مالية حادة.
ختاما: تلتزم السعودية وعدد من دول العالم بمفهوم كفاءة الحكومة، الذي يعني التوازن بين الأهداف التنفيذية والاقتصادية. دليل ذلك أن ديونها العامة لا تتجاوز 30% من إجمالي الناتج المحلي، ولا توسع عجزها دون توسيع ناتجها المحلي، وفي نفس الوقت تقدم خدمات عامة تنافسية مقارنة بمثيلاتها عالمياً، كما تعمل على تكييف اقتصادها بهدف تحقيق التوازن بين مواردها مقابل أهدافها قصيرة الأجل ونتائجها الإستراتيجية بشكل مزدوج، إضافة إلى ذلك تعزز الممارسات المرتبطة بالكفاءة، وتوليد رؤى قابلة للتنفيذ، بالتوافق مع المنظور الاقتصادي الشمولي.