السويد باحة السلام تستعد للأسواء
قبل فترة وجيزة، وزعت الحكومة السويدية كراسا من 32 صفحة وبالحجم الكبير مع صور ورسوم بيانية وجداول فيها تعّد الشعب إلى ما يظهر أنه حرب قادمة أو أزمة طاحنة تتوجب اليقظة والحذر والتعبئة العامة.
والكراس متوافر بصيغته الرقمية على الشبكة الأخطبوطية لتعميمه على المؤسسات مثل: المدارس والجامعات باللغتين الإنجليزية والسويدية وبلغة الإشارات ولغة بريل للمكفوفين وفي الإمكان تنزيله أو الاستماع إليه بعدة لغات أخرى ومنها العربية.
في أي بلد آخر لآثار الكراس، الذي وصل بالبريد العادي إلى كل عنوان مسجل في السويد، الفزع والخوف ونقاشا حاميا ليس فقط على مستوى الإعلام بل حتى على مستوى الشارع.
ولكن الملاحظ أن أغلب السويديين ومؤسساتهم لم يكترثوا البتة ولم يحدث الكراس أي بلبلة في صفوف الناس وكأن شيئا لم يكن.
والأنكى، من النادر أن تلقى سويديا وقد قرأ الكراس، وإن قراءه فأغلب الظن لقد جرى تجاهل محتوياته.
بيد أن الكراس أثار اهتماما منقطع النظير لدى الأجانب، ولا سيما في صفوف اللاجئين الذين قدموا إلى السويد هربا من حروب وصراعات طاحنة في بلدانهم. أثار الكراس فيهم الفزع والخوف من أن ما تخلفه الحروب من مآس وأهوال -التي فلتوا منها بمعجزة- ها هي ترافقهم في بلد ظنوا أنه جنة الله على الأرض.
ماذا يقول الكراس؟ أي قارىء للكراس لا بد وأن يخرج بمحصلة أن كارثة أو شيئا مريعا قادم لا محالة وقد يكون حربا تقليدية أوحربا تستخدم فيها القنابل النووية أو كارثة طبيعية، رغم أن الكراس لم يفصح عن طبيعة التهديد القادم.
"احفظ هذا الكراس في مكان آمن"، بهذه العبارة يستفتح الكراس إعداده الشعب السويدي لشيء خطير قادم. والعبارة هذه بالذات نقرأها في التعليمات المكتوبة التي ترافق أي دواء نشتريه من الصيدلية حيث تتصدر عبارة "احفظ الدواء في مكان آمن" النشرة التي ترافقه.
يذكّر الكراس السويديين بأنهم يمرون "بأزمنة غير جديرة بالثقة، حيث الصراعات المسلحة تدور رحاها في الزاوية من العالم" التي يعيشون فيها.
ويوضح الكراس أن "هناك حملات إرهابية وهجومات سيبرانية ومعلومات كاذبة بقصد التضليل وكل هذه تؤثر فينا".
وبعد شرح موجز لما تخبئه الأيام للبلد، يحث الكراس السويديين على "الوحدة لمقاومة هذه التهديدات" وأن كل فرد في المجتمع عليه "الدفاع عن استقلال السويد وعن ديمقراطيتنا" إذا وقع هجوم على البلد.
وهناك حديث عن "تعزيز الصمود" يذكرني في بعض تفاصيله لما يمكن أن تقرأه أو تسمعه من قنوات إعلامية مقروءة أو مسموعة في هذا الوقت في الشرق الأوسط.
وهذا الصمود، حسبما يأتي في الكراس، على السويديين تعزيزه سوية "مع أحبائنا، وزملائنا، وأصدقائنا، وجيرانا". وتوقفت قليلا عند مفردة "جيراننا" حيث ممكن أن تعيش في السويد عقودا في مجمع للشقق السكنية، التي يقطنها معظم السويديون، ولم يحدث أن ألقى جيرانك التحية عليك أو أنك بادلته التحية.
وثم يدخل الكراس بصيغة مباشرة لا ريب فيها في مخاطبته للسويديين ويؤكد أن عليهم الاستعداد للطوارىء لا بل أنهم جزء مكمل لهذا الاستعداد.
وما هي الطوارىء يا ترى؟ والجواب لا يحتاج إلى تفكير عميق، بل يأتي مباشرة. " مستوى التهديد العسكري في ازدياد وعلينا الاستعداد لأسواء السيناريوهات وهي هجوم عسكري على السويد".
لم يثر الكراس الدهشة لدى السويديين البتة، بل ولم يرف لهم جفن بعد استلامه بالبريد ولربما رماه أكثر الناس جانبا، إلا أنه مؤشر لأزمنة صعبة أخذت تستعد لها وتخطط لها على كل المستويات الدول الاسكندنافية -السويد والنرويج والدنمارك إضافة إلى فنلندا-المشهود لها العيش في سلام وطمأنية ولعقود طويلة.
الكراس رغم صغر حجمة مقارنة بما يطرحه من مواضيع حساسة خطيرة يستحق القراءة والتأني، وكذلك نشر سلسلة من المقالات حوله، وهذا ما أنا فاعله.
إن كانت السويد باحة السلام تستعد للأسواء من الأيام، فما بال دول أخرى تقع في خضم الأزمات والصراعات الكارثية التي يبدو أن لا نهاية لها؟