المشهد الاقتصادي العالمي القادم
يواجه صناع السياسات الاقتصادية تحديات مستمرة تتعلق باستقرار الأسواق والتجارة في ظل تعقيدات جيوسياسية متزايدة بما فيها من قضايا بيئية وطاقة وحروب تجارية، وكلها تغيرات تثير مخاوف مستقبل اقتصادنا العالمي.
مشهد الاقتصاد ربما يعود إلى حالة مشابهة لما قبل 2021 من حيث سياسات الحرب الجمركية بين أمريكا والصين وعدد من الدول التي ستفرض عوائق جمركية ضد واشنطن، وهذا يعني أن قيود أمريكا الجمركية ستكون من أهم أدوات التفاوض في دبلوماسيتها الاقتصادية.
هناك سلع ستتم إعاقتها جمركيا من أمريكا، وبشكل خاص كل ما يعتمد في تصنيعه على الأتربة النادرة في التقنية والطاقة النظيفة، بسبب نهج أمريكا في حماية صناعاتها وتعزيز تصنيعها المحلي واستعادة زمام الصناعة العالمية، وتوفير فرص عمل للأمريكيين، انعكاساتها سلبية على حرية التجارة الدولية، وسيدفع بدول للبحث عن شركاء تجاريين جدد، وهي سيناريوهات تعزز من تطور تركيبة مجموعة "بريكس" في أقلمتها الاقتصادية -إن صح التعبير- وفي هذه الحالة، العالم قد يعيد تشكيل تفاعلاته اقتصاديا على مستوى ثنائي ومتعدد الأطراف، أي إننا سنشهد تقوية تكتلات اقتصادية إقليمية على أساس جيواقتصادي وجيوسياسي، ولا سيما إذا ما فتح ترمب موضوع اختلالات ميزانية حلف الناتو، أي إن تحفظات أوروبا الاقتصادية ستنخفض أمام الصناعات الصينية لحماية مصالحها.
بما أن سعر الطاقة والفائدة مؤشرات نمو حيوية للعالم، ستواجه الطاقة مصاعب كبيرة للمنتجين بسبب زيادات محتملة من خارج "أوبك"، وتعتبر هذه تغيرات ناتجة عن دعم أمريكي محلي عبر تحرير قيود شركاتها، إضافة إلى تحفيز حلفاء أمريكا نحو ضخ مزيد من النفط والغاز، ويعد هذا أبرز سيناريو في المستقبل القريب، كما سيتبعها تجاهل مقصود في قضايا البيئة على المستوى العالمي، مع تقليل دعم مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة.
أما أسعار الفائدة فمن المرجح أنها ستهبط وبمستويات منخفضة، وقد يشهد العالم حالة انفصال واضحة بين التضخم وسعر الفائدة، وقد يكون هناك تجاهل لحالة التضخم المحتملة حتى 2028، ولعل هذا السيناريو من أكثر الاحتمالات خطرا على أمريكا والعالم إذا ما استمر الدولار في تفتيت قوى الدول الاقتصادية المنتجة بسبب سعر الفائدة، وقد نرى سياسات اقتصادية تهمش الدولار وتتبنى سياسات سلعية ونقدية وطنية مشتركة بين بعض الدول بعيدا عن الدولار.
وفي نفس السياق: الاستثمارات العابرة للقارات من المرجح أنها ستواجه مصاعب بسبب سياسات أمريكا في إعادة تفاوضها وانسحابها من الاتفاقيات، وهذا يوجد حالة من عدم الاستقرار في الأسواق المال العالمية، ويترك أثرا سلبيا بعدم اليقين، لوجود تداخل بين عوامل جيوسياسية واقتصادية هيكلية.
أخيرا: اكتسب العالم خبرة في التكيف مع الأزمات، وسيعيش العالم حتى 2028 موجات متضادة ناتجة عن تصاعد توترات سياسية واقتصادية وتكنولوجية، إلا أنها ستوجد بيئة عالمية مليئة بفرص وتحديات ناتجة عن تزاحم كبار اللاعبين الدوليين كالصين وأوروبا وروسيا وعدد من دول ناشئة مع سياسات أمريكا، كما أن تدخل البشر في الإنتاج سيقل أمام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ودول الموارد والشركات الأكثر اعتمادا على استثمارات متعددة القطاعات والابتكار والتقنية والذكاء الاصطناعي ستكون أكثر تحصينا من نظيرتها التقليدية، ما لم تظهر حرب العملات.