القطب الشمالي .. صراع اقتصادي ثلاثي على "صفيح متجمد"
لطالما اعتبر القطب الشمالي منطقة نائية ومتجمدة، لكن في السنوات الأخيرة تغير الوضع، وأصبح ساحة معركة بين الدول الكبرى للسيطرة على موارده.
تسعى كل من روسيا والولايات المتحدة والصين إلى السيطرة على أجزاء من القطب الشمالي لتأمين نفوذها الاقتصادي.
التأثيرات المناخية أدت لذوبان مساحات شاسعة من الجليد، ما جعل الوصول إليه أكثر سهولة من أي وقت مضى.
وأسفر ذلك عن اكتشاف موارد طبيعية غير مستغلة، فأجج منافسة شرسة بين القوى العالمية للسيطرة على ثروات القطب الشمالي.
يعتقد أن القطب الشمالي يحتوي على جزء كبير من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي غير المكتشفة. وتقدّر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن القطب الشمالي يحتوي على ما يقرب من 13 % من النفط غير المكتشف في العالم، و30 % من الغاز الطبيعي غير المستغل. هذه الموارد أصبحت أكثر جاذبية للدول المتعطشة للطاقة.
وفي هذا السياق، علقت خبيرة الطاقة هولي بيت قائلة: "روسيا بساحلها القطبي الشمالي تظهر حرصا شديدا للهيمنة على موارد المنطقة، وبدأت بالفعل جهودا مكثفة لاستخراج النفط والغاز".
وتؤكد لـ"الاقتصادية"، أن موسكو لا تنظر للمنطقة باعتبارها مفتاحا لأمنها المستقبلي في مجال الطاقة فحسب، بل وسيلة للحفاظ على موقعها المميز في أسواق الطاقة العالمية، لهذا استثمرت بكثافة في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك بناء كاسحات جليد عملاقة لدعم أنشطة استخراج النفط.
الصين، وعلى الرغم من بعدها الجغرافي عن القطب الشمالي، لم تتردد في إعلان نفسها دولة قريبة من القطب الشمالي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة. ومن خلال مبادرات مثل "طريق الحرير القطبي"، تهدف إلى تأمين الوصول إلى طرق الشحن والموارد في القطب الشمالي. واستثمرت الشركات الصينية بالفعل في مشاريع التعدين والطاقة في المنطقة.
في هذا الإطار، علّق الدكتور إل. ثرونبري، أستاذ الجغرافيا السياسية، قائلا: "للصين اهتمام بالقطب الشمالي مدفوع باحتياجاتها من الطاقة على المدى الطويل، وترى في المنطقة حلًا محتملًا لانعدام الأمن في مجال الطاقة لديها".
ويضيف لـ"الاقتصادية" أن "الصراع الاقتصادي في القطب الشمالي لا يتعلق بالموارد فحسب، بل يتعلق أيضًا بالسيطرة على طرق الشحن الجديدة التي أصبحت قابلة للاستخدام بسبب ذوبان الجليد."
يتضح ذلك من تصريحات الرئيس بوتين قبل أيام حول زيادة حركة الشحن عبر طريق بحر الشمال، الذي يمتد عبر الدائرة القطبية الشمالية، ويقلص أوقات الشحن بين أوروبا وآسيا بنسبة تراوح بين 30 % و40 % مقارنة بالطرق التقليدية عبر قناة السويس. ولهذا الطريق جاذبية خاصة للاقتصادات الآسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان وفيتنام التي تعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية.
تلك الإمكانات الاقتصادية للمنطقة تُنذر بزيادة حدة التوتر بين المتنافسين. فروسيا أعلنت سيطرتها على أجزاء من طريق بحر الشمال، وأصبح على السفن الأجنبية طلب الإذن لاستخدامه، ما أثار انتقادات الولايات المتحدة التي ترى أن القطب الشمالي يجب أن يظل مفتوحًا للملاحة الحرة.
يعد بعض الخبراء أن القطب الشمالي يمثل الحدود الأخيرة لاستخراج الموارد على نطاق واسع، وأن السباق لاستغلال موارده يغذي التوترات التي سيكون لها عواقب جيوسياسية خطيرة وطويلة الأمد. ما يعني أن الفرص الاقتصادية ستأتي بتكلفة مرتفعة.
وفي هذا الصدد، يحذر الدكتور باركر ريفز، أستاذ القانون الدولي، من أن التسارع في استغلال موارد القطب الشمالي يحمل أخطارا كبيرة بسبب الافتقاد إلى حوكمة دولية واضحة.
ويضيف أن "مجلس القطب الشمالي"، وهو منتدى حكومي يضم دول القطب الشمالي والمجتمعات الأصلية، نفوذه محدود للغاية وقدرته على حل النزاعات ضئيلة.
وفي حديثه لـ"الاقتصادية"، يقول: "لا توجد أطر محكمة حتى الآن لتنظيم عملية استغلال الموارد الاقتصادية للقطب الشمالي. وفي ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة بين الدول العظمى، فإن الاتجاه الأرجح هو أن يمثل الوصول إلى الموارد الاقتصادية للقطب الشمالي نزاعات محتملة ومزيد من العسكرة، ما سيشعل جليد المنطقة."