دمج الأخلاقيات في الفكر الاقتصادي الحديث
أصبح علم الاقتصاد من أكثر العلوم ميلا إلى التركيز على النماذج الرياضية والبيانات الكمية، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى تقليل الاهتمام بالمسائل الأخلاقية والاجتماعية -التي كانت في الماضي، أي مسائل الأخلاق -جزءا من الفكر الاقتصادي.
في القرون الماضية كانت معظم مدارس الفكر الاقتصادي تهتم بالأخلاقيات في الاقتصاد، لكن مع صعود المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 أصبح التركيز على الفعالية والتوازن والأسواق المثالية بدلا من العدالة الاجتماعية والرفاهية.
العولمة وانتشار الرأسمالية النيولبيرالية عززت من التركيز على النمو الاقتصادي وزيادة الأرباح، أي ان العولمة والرأسمالية تجاهلت القضايا الأخلاقية والاجتماعية ويعزى ذلك إلى أن الاقتصاد أصبح أكثر تعقيدا وصار من الصعب تضمين المسائل الأخلاقية في النماذج الاقتصادية المعقدة، التي تعتمد على النمذجة الاقتصادية.
السياسات الاقتصادية في كثير من الأحيان تصمم وتنفذ بناء على مؤشرات اقتصادية كمية مثل الناتج المحلي الإجمالي ومعدل البطالة والتضخم والدخل دون النظر إلى الجوانب الأخلاقية والاجتماعية التي قد تكون في أكثر صعوبة في القياس.
ظهرت مؤخرا مدارس اقتصادية جديدة تسعى إلى إعادة دمج الاخلاقيات في التحليل الاقتصادي، يدرس الاقتصاد السلوكي كيف توثر العوامل النفسية والاجتماعية في القرارات الاقتصادية، كما أن الاقتصاد التنموي يركز على تحسين مستوى المعيشة في الدول النامية مع تضمين البعد الأخلاقي والاجتماعي في جميع سياسات التنمية، أما الاقتصاد البيئي فقد أولى الاعتبارات الأخلاقية أولوية ويهتم بكيفية تأثير النشاط الاقتصادي في البيئة بما في ذلك مسائل الاستدامة والعدالة البيئة. الحالة الوحيدة التي أصبح يميل لها معظم الاقتصاديين بقصد أو دون قصد أن جودة الدخل كافية تحسين حياة البشر واكتساب الدخل من خلال الكفاءة الإنتاجية دون الاهتمام بالتعب أو الاجهاد الذي قد يصيب الأسر في الاقتصاد، والاقتصادي الحقيقي بالمفهوم الشامل لا يؤيد تلك الأساليب أو المعتقدات السهلة في الإدارة الاقتصادية الخالية من الاخلاقيات.
في الختام: التحديات الأخلاقية في النماذج الاقتصادية معضلة عالمية، لكن هناك مجموعة دول نجحت اقتصاديا واجتماعياً بمفهوم الاقتصاد الشمولي، أي تحقيق توازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية، هما مجموعتا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ودول الشمال الأوروبي مثل النرويج والدنمارك والسويد، أما بقية دول العالم يعتمدون على الاقتصاد الكلاسيكي بشكل أو آخر، أي التركيز إلى مفاهيم مثل العرض والطلب، والتوازن، والكفاءة الاقتصادية، ولذا نجد أن النموذج الاقتصادي في دول مجلس التعاون ودول الشمال الأوروبي من أفضل النظم الاقتصادية في الأوقات الصعبة فضلا عن فترات الرخاء، العالم بحاجة إلى دمج الاخلاقيات في الفكر الاقتصادي الحديث والسياسات الاقتصادية المستقبلية ودون التخلي عن الكفاءة الاقتصادية وإعادة تصميم مؤشرات الأداء الاقتصادي لتشمل مؤشرات السعادة الواقعية والفقر متعدد الأبعاد، والأهم ينبغي على الجامعات إعداد جيل اقتصادي يقدر القيم الأخلاقية جنبا إلى جنب مع الكفاءة الاقتصادية.