الاتفاق النووي السعودي الأمريكي كيف سيغير وجه المنطقة والعالم

قد يتساءل أحدهم كيف لدولة مثل السعودية تحتل موقع أكبر منتجي النفط العالميين بعد الولايات المتحدة بمعدل إنتاج يصل إلى 12 % من احتياج العالم اليومي وتتربع على قمة مالكي احتياطيات النفط العالمية وتتبوأ مكانة المنتج الأعلى عالميا من حيث السعة الإنتاجية المستدامة وهي التي بدأت غزواتها في اكتشاف مزيد من الغاز وتعظيم احتياطياتها وأضافت تريليونات المكعبات القياسية منه إلى مخزوناتها، كيف لدولة كهذه تقتحم عالم الطاقات الأخرى المتجددة النظيفة والنووية وتدفع بكامل قوتها في هذا المجال لتطوير هذه الطاقات والاستثمار فيها

وإدخالها في مزيج الطاقة التي تعتمد عليه في طلبها المحلي الذي تحتاجه شرايين الاقتصاد وتفرضه احتياجات المجتمع وهو ما يجعل بعض دول العالم يصيبها بعض الريبة من هذا التحول وحجم الاستثمار ومدى الالتزام به.

إن السبب بكل بساطة هو أن السعودية لديها المصادر والموارد التي تجعل منها بيتا أصيلا لهذه الطاقات ومصدرا رئيسا لها كما هو الحال في النفط والغاز، لديها المواقع الجغرافية الفريدة التي تقع في الحزام الشمسي الأعلى في العالم من حيث كفاءة إنتاج الطاقة الشمسية كما الموقع الجغرافي الذي يجعل من طاقة الرياح مصدرا أقل تكلفة وأكثر إنتاجا للكيلووات وهي التي تستطيع إنتاج أنواع متعددة من الهيدروجين ولا سيما الهيدروجين الأخضر النظيف الذي يتم استخلاصه من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

أما الطاقة النووية فالسعودية ليست أقل من حيث الموارد إذا ما تم مقارنتها مع ما يتم إنتاجه في العالم فأخيرا أثبتت الاكتشافات التعدينية الأخيرة في السعودية إلى كميات هائلة من اليورانيوم التي تشير بعض هذه الاكتشافات إلى أن السعودية قد تمتلك ما يقارب من 15 % من حجم مخزون اليورانيوم العالمي.

لا يمكن لدولة مثل السعودية لديها هذه الموارد والمصادر المتنوعة والثراء والريادة في مجال الطاقة أن تتبنى خطط خجولة ومتأخرة عن نظيراتها في العالم وتتجاهل فرصا تمنحها تصدر المشهد والمسرح العالمي ليس في مجال النفط فحسب بل في جميع أنواع الوقود والطاقات التي تعد عصب الاقتصاد وقلبه النابض لتكون السعودية نضبه ودفئه ومصدر حرارته.

لذا فإن الاتفاق النووي السعودي الأمريكي الوشيك ضمن منظومة الاتفاقيات الإستراتيجية التي يجري العمل عليها ويتم الاقتراب من الوصول إلى الصيغ النهائية لها سيعد حدثا مهما ومؤثرا ليس في المنطقة فحسب بل على مستوى العالم، التعاون النووي السعودي الأمريكي أتى مع منافسة صينية وأخرى من دول أوروبية تسعى ليكون مثل هذا التعاون رافدا لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وجسرا مهما وقويا لشراكات إستراتيجية تمنح كلا البلدين زخما في مجالات متعددة.

رغبة السعودية الملحة في ولوج الساحة النووية السلمية واستخدام هذا الاتفاق كجزء رئيس يتكامل مع منظومة الاتفاقيات الإستراتيجية السياسية والدفاعية مدفوعا بعدم إهدار الفرص في استغلال مواردها الطبيعية وتوظيفها في بناء بنية تحتية نووية والاستفادة من آخر ما توصلت إليه التقنيات والتكنولوجيا الحديثة وطرق تشغيلها بواسطة أكثر الوسائل أمانا، وهي التي ترى أن توليد الكهرباء وتحلية المياه أهم التطبيقات المستهدفة.

دولة كفرنسا مثلا تعتمد بنسبة 70 % على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء بينما بلجيكا توفر لها الطاقة النووية 50 % من احتياجاتها. وبينما تستورد فرنسا اليورانيوم من مناجم النيجر وتعتمد عليها في واردتها من اليورانيوم فإن أمنها الطاقي يتعرض لمخاطر عدة ليس آخرها الاضطرابات الأخيرة في إفريقيا.

فالطاقة النووية في السعودية ستلعب دورا في أمن الطاقة المحلي وفي الأمن البيئي وستسهم في الخفض من الانبعاثات التي تستهدفها رؤية 2030 وسيمنحها الموقع الذي تستحقه في مسرح إنتاج الطاقة الدولي وهو ما يفسر التمسك بهذا الجزء من منظومة الاتفاقيات الإستراتيجية التي يجري العمل عليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي