الاستدامة والابتكار في قطاع المياه

راقبنا التغير الهائل في قطاع المياه، والتحول الذي طال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة. تلك التحولات خلال الـ50 عامًا الماضية كانت زاخرة بنجاحات مؤثرة، لعبت دورا مهما في التاريخ التنموي والاقتصادي للبلاد، حيث حملت هذه التحولات جهودا وتضحيات لتلبية احتياجاتنا من المياه العذبة. تمكنت المؤسسة من تحويل مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة عبر عقود طويلة من التخطيط والتنفيذ، لتغرس محطات إنتاجها على سواحلنا الشرقية والغربية، وتكتب للوطن قصصا من المشاريع والمنظومات الإنتاجية. فهي حكايات تطول وتقصر لكنها لا تنتهي.
واليوم، تفتح المؤسسة أبوابها تحت اسمها الجديد، وهو الهيئة السعودية للمياه، وتدخل عهدا جديدا يركز على عنصري الاستدامة والابتكار لتنهض بقطاع المياه نحو النمو والتقدم والازدهار. هذا التحول جاء لتلبية الاحتياجات وتحقيق الأمن المائي من خلال أدوار جديدة، إضافة إلى الأدوار السابقة، أي أنها ستواصل إنتاج المياه المحلاة عبر 33 منظومة إنتاجية. كما أنها ستستمر في إنشاء مزيد من المشاريع التنموية وستتضاعف الجهود لزيادة أنظمة النقل والخزن الاستراتيجي للمياه، إضافة إلى استمرار الجهود في خفض تكاليف التشغيل بهدف تحسين مراكز التكلفة، وخفض الانبعاثات الكربونية وزيادة معدلات الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة الكلية المستخدمة في الإنتاج.
الهيئة الوليدة التي أراها ويرى كثيرون غيري أنها حلقة صاعدة في تطور منظومة المياه، تجعل مستقبل الاستدامة المائية والبيئية أكثر إلحاحا. لقد وضعت الاستدامة والابتكار شعارا لها، وهذا سيعزز الريادة العالمية للسعودية في هذا المجال، وسيهيئ البيئة التي تساعد على النجاح. وهي بيئة قوامها التشريعات والسياسات والأنظمة والإجراءات التي ستطلع بها الهيئة، وتجعل من هذه المفاهيم وسيلة لتحقيق غاية التقدم المنشود في مجال المحافظة على الموارد المائية وتنميتها، بل وتعزيز مساهمتها في تحسين جودة الحياة وتحقيق طفرة في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السعودية.
فإذا كانت التحلية تنتج اليوم 11.5 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، فهي مؤهلة أكثر في ظل قيام الهيئة السعودية للمياه بأدوارها الإنتاجية، إلى جانب مهام تفعيل وتنظيم وتطوير القطاع، لتعزيز الموارد المائية بإنشاء مزيد من المشاريع ورفع الكفاءة التشغيلية والإنتاجية. يدعم هذا تطبيق مفهومي الاستدامة والابتكار، حيث يعني الأول الإدارة الواعية للموارد المائية وتلبية المتطلبات الفورية والمستقبلية مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة، والثاني معني بابتداع الحلول المبتكرة وتسخير التقنيات الجديدة لتحسين كفاءة هذه الصناعة من المنظور الاقتصادي وتوفير إمدادات مائية بجودة وموثوقية.
في الختام، سيتم نقل أصول المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة إلى شركة حلول المياه في المستقبل. حتى ذلك الحين، ستكون المؤسسة وقدراتها الإنتاجية لدى ذات الخبرات المعرفية والبشرية التي كانت وراء كثير من الإنجازات وما زالت تقدم مساهمتها لتطوير منظومة المياه ومواصلة دورها المحوري في تعزيز الأمن المائي وتحقيق الاستدامة البيئية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي