اقتصادات الصناديق السيادية وخطورتها

أظن أن ما سيثير القارىء وهو يلقي بناظره على عنوان المقال هي مفردة "الخطورة". الشائع لدى الناس بصوة عامة ولدى علماء الاقتصاد بصورة خاصة، أن الصندوق السيادي وديعة آمنة تضمن الحياة الكريمة ليس للأجيال الحاضرة فحسب، بل القادمة أيضا، ويدر أرباحا وفيرة. ولكن ما لا يخطر على البال، وأحيانا قد يتم تهميشه عمدا، هو الركون إلى الإيجابيات، وفي حالة الصناديق السيادية ما أكثرها. هنا تكمن الخطورة التي ترافق أي مضمار أو منحى أو توجه لا يضع في الحسبان السلبيات التي لا بد أن ترافق إيداع المال والاستثمار على أي مستوى، فرديا كان أم مؤسساتيا أم على نطاق دولة ذات سيادة. ومفردة "السيادة" هي التي تسهل لنا تعريف الصناديق السيادية، بمعنى أن الأموال والأصول المودعة في هذه الصناديق تعود للدولة، أي يمكلها الشعب برمته. من هنا على الدولة الحفاظ على الصندوق السيادي واتخاذ التدابير التي تمنع العبث به مهما حدث. وفي بعض الدول ذات الصناديق السيادية الكبيرة مثل النرويج، حيث تصل قيمة صندوقها السيادي الذي راكمته من إيرادات النفط الى أكثر من 1.4 تريليون دولار يعرف كل مواطن كم هي حصته من الصندوق، وله اطلاع كامل على الثروة الكبيرة هذه لبلد لا يتجاوز عدد سكانه 4.5 مليون نسمة. وعندما تتضخم الصناديق السيادية، تصبح مسألة إنفاقها عسيرة حتى وإن كان البلد يعتمد خطة استثمارية انفجارية كما هو الحال مع الصين التي تبلغ قيمة صندوقها السيادي نحو 1.2 تريليون دولار. بيد أن هناك خاصية أراها شخصيا غير حميدة للصناديق السيادية في العالم، التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات أسست لحالة جعلت منها محط أنظار أصحابها الذين صاروا ينظرون بعين من الريبة إلى المحطات التي وضعوا ثقتهم فيها وائتمنوا أموال شعوبهم لديها. وما يميز الصناديق السيادية - وأرى أن هذه واحدة من نقاط ضعفها- أن أغلبها إن لم يكن كلها تقريبا مودعة لدى الدول الرأسمالية الغربية ظنا من أصحابها أنها ستكون في مأمن دائم، وأن الأصول برمتها إن كانت ودائع أو أسهم أو عقارات أو أية أصول أخرى خير ضمان للحاضر والمستقبل. صحيح أن الدول الغربية الرأسمالية تقدس رأس المال وأسس اقتصادها مبنية على احترام الملكية، ولكن يجب أن لا يغيب عن البال أن هذه الدول تطوع رأس المال خدمة لإستراتيجيتها، فهي ملجأ أمن للصناديق السيادية طالما كانت تخدم مصالحها وطالما كان مودعوها في صف السياج الذي هم عليه. فأول شيء قامت به هذه الدول لمعاقبة روسيا على اقتحام قواتها الأراضي الأوكرانية كان تجميد صندوقها السيادي بمجمله وأوصوله كافة، التي تقدر بنحو 300 بليون دولار. ليس هذا فقط، بل تحاول هذه الدول الآن مصادرة الأصول هذه وهي -حسب التقارير الأخيرة- قاب قوسين أو أدنى إلى تقديمها بأقساط كمنح لأوكرانيا كتعويضات حرب. نحن هنا لسنا أمام دولة عادية، هذه روسيا الدولة العظمى بقوتها النووية الكاسحة. إذن، يحق لأصحاب الصناديق السيادية القلق، لا بل أقول: إن عليها التفكير مليا بمستقبل ثروتها وثروة أجيالها، وإن الودائع لدى الغرب وبنوكه وأسواقه المالية والعقارية عليها اليوم أكثر من علامة استفهام. ما العمل إذن؟ أنجع جواب هو تحويل الصناديق السيادية إلى إستثمارات في البلد نفسه وإنفاقها في مشروعات تنموية لإحداث نهضة صناعية وتربوية وصحية وعلمية وتكنولوجية تأخذ بلدانهم إلى مصاف الدول الصناعية وتحولهم إلى متلقين للصناديق السيادية بدلا من تكديس أموالهم في بلدان أجنبية أثبتت التجربة أن الاتكاء عليها مثل الاتكاء على عكازة مشروخة تجرح الذي يتوكأ عليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي