البنوك الرقمية .. والتحول الجديد

تحدثت في مقالات سابقة عن التحديات التي تواجه عالم الخدمات المالية في كثير من الدول بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بالسرعه والكفاءة والأمان، وأن هناك ثورة ابتكارية مالية من الضرورة أن تتواكب معها هذه الخدمات لتسهم بشكل فاعل في اقتصادات دولها، ولا شك أن وجود البنوك الرقمية يعد تحولاً ابتكارياً، لتتجاوز كثيرا من تلك التحديات، وكونها تحولت من مجرد بنوك تقليدية إلى جزء أساسي من البنية التحتية المالية العالمية التي تعتمد بشكل كبير على التطورات التكنولوجية والتقنيات الإلكترونية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والقدرة على تحليل البيانات الضخمة، وتقنيات أنظمة البلوكشين، وغيرها من التقنيات، ولعلي في هذا المقال أستعراض بشكل مختصر أهمية هذه البنوك الرقمية ودورها في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.
بدايةً يمكن أن نعرف البنوك الرقمية بأنها مؤسسات مالية تقدم خدماتها عبر الإنترنت دون الحاجة إلى فروع مادية قائمة، حيث يمكن للعملاء إجراء معاملاتهم المالية وإدارة حساباتهم والحصول على كافة الخدمات من قروض واستثمارات وغيرها من خلال تطبيقات هواتفهم الذكية أو المواقع الإلكترونية مباشرة. ووجود مثل هذه البنوك الرقمية يؤدي إلى تنويع الاقتصاد من خلال مساهمتها في تطوير قطاعات اقتصادية متعددة وتحسين جودة الحياة للمواطنين، وتعزز مستوى الشمولية في الخدمات المالية من خلال توافرها للجميع في جميع الأوقات وفي أي مكان في العالم، من غير الحاجة إلى زيارة الفروع المكانية التقليدية، ما يوفر الوقت والجهد ويجعلها خيارًا مثاليًا، أضف إلى ذلك وبسبب عدم وجود فروع مادية، تتمكن البنوك الرقمية من تقليل التكاليف التشغيلية ما ينعكس على العملاء في شكل رسوم أقل وفوائد أفضل.
ولعل الطفرة الرقمية التي نعيشها في هذا العصر، تدعم هذه البنوك وتحسن من بنيتها التحتية من خلال الاعتماد على عديد من  الابتكارات التكنولوجية المتقدمة، من ذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة وتعلم الآلة، وتقنية البلوكشين، التي بتكاملها تساعد على توفير خدمات متميزة وسلسة، خصوصاً من خلال إمكانية عرضها واجهات استخدام مصممة بتقنيات عالية تلبي احتياجات العملاء، وأيضاً من خلال هذه التقنيات يمكن تقديم حلول مالية مبتكرة، ما يسهم في تعزيز الكفاءة والشفافية في جميع العمليات والخدمات المالية، ومع ذلك هنالك عديد من التحديات التي تواجه هذه البنوك عند تزايد الاعتماد على مثل هذه التكنولوجيا الرقمية، مثل تحدي مواجهه مخاطر الأمان السيبراني، كون هذه البنوك قد تتعرض لخطر الاختراقات والهجمات السيبرانية التي قد تستهدف بيانات العملاء، ويمكن مواجهة هذا التحدي من خلال الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار وبشكل مستمر لضمان أمنها وسلامتها، وأيضاً من التحديات التي تواجهها تحدي التنظيمات المالية، كونها يجب أن تمتثل للقوانين واللوائح المحلية والدولية المتعلقة بالأنشطة المالية، وحماية البيانات الشخصية، وغيرها من التنظيمات الأمنية، ويمكن أيضاً التغلب على هذا التحدي من خلال توفير التشريعات واللوائح المالية التنظيمية التي تتماشى مع هذه القوانيين والأعراف الدولية، وأرى أن وجود البنوك الرقمية سيوجد بيئة داعمة لريادة الأعمال والابتكار، من خلال توفيرها خدمات مالية متنوعه من تمويل ميسر وخلافه، التي تحتاج إليها معظم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة لنموها وازدهارها، ووجودها أيضاً سيساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية وصنع تعاون وشراكات مع شركات التكنولوجيا المالية وغيرها، ما قد يعد تحولاً ابتكارياً رقمياً في قطاع الخدمات المالية من خلال هذه البنوك، ويسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي