العجز في الموازنة وأهمية الإنفاق الرأسمالي
في حوار أجرته صحيفة "الاقتصادية" مع وزير المالية محمد الجدعان تحدث عن سبب استمرار العجز في الموازنة بصورة مستمرة لستة فصول متتالية في ظل استمرار الإنفاق الحكومي الكبير الذي وصل إلى مستويات قياسية بما يتجاوز في الربع الأول 300 مليار ريال وإذا ما استمرت بهذه الوتيرة فإنها ستتجاوز تريليون و200 مليار ريال وهذا إنفاق هو الأضخم في تاريخ السعودية.
ونظرا للقلق بخصوص استمرار تزايد حجم الدين العام مقارنة بحجم الناتج المحلي الذي أصبح مع هذه الوتيرة من العجز ستتزايد نسبته مقارنة بالناتج المحلي، ومن أبرز التحديات الخاصة بتزايد حجم الدين هو أن تكلفة الحصول على التمويل في هذه الفترة تعد الأعلى تكلفة منذ عقود عالميا في ظل الارتفاع في أسعار الفائدة كما أن هناك تقارير تشير إلى مخاطر تتعلق بالديون حيث بلغ حجم الديون عالميا أكثر من 300 ترليون دولار في ظل استمرار بعض الاقتصادات الكبرى بالاقتراض لدعم اقتصاداتها وتغطية العجز لديها وهذا يزيد من حجم المخاطر في ظل ارتفاع تكلفة الاستدانة.
وفي هذا اللقاء الخاص في "الاقتصادية" أشار إلى أن هذا العجز ليس سلبيا والسبب في ذلك هو أن الاستدانة ليست لتغطية التزامات ضرورية لا تكون بالضرورة منتجة، ويمكن أن يكون مثال ذلك العجز أو الاستدانة لتغطية تكاليف الرواتب أو خدمات مثل العلاج أو التعليم فليس لها عائد مباشر يمكن به تغطية الدين، فهذا النوع من التكاليف قد لا ينتج عنه عائد مالي مستقبلا يغطي هذا العجز بل هي عملية قد تكون مستمرة وتؤثر في الاقتصاد إذا لم يتخذ إجراء لمعالجتها.
في حالة العجز في الموازنة في السعودية الصورة مختلفة حيث إن هذا العجز يأتي مع استمرار التحسن في الإيرادات غير النفطية وهي في الأساس ناتجة على عمل حكومي من خلال مشاريع كان لها دور في زيادة حجم الإيرادات رغم الانخفاض الذي تشهده أسعار النفط عالميا، ولذلك نجد أنه رغم التقلبات في أسعار النفط وانخفاضه نسبيا إلا أن الإيرادات غير النفطية كان لها أثر في استمرار وتيرة النمو المتوقعة لهذا العام رغم التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي والأزمات الجيوسياسية.
العجز في الموازنة الحكومية سينفق على المشاريع الحكومية وفق رؤية المملكة 2030 التي كان لها دور في زيادة حصة الإيرادات غير النفطية بصورة غير مسبوقة ويتوقع أن يستمر تقليص الفجوة بين حجم الإيرادات من النفط والإيرادات غير النفطية باستمرار خلال الفترة المقبلة سعيا للوصول إلى مرحلة لا تؤثر التقلبات في أسواق النفط على الإيرادات الحكومية بصورة كبيرة.
زيادة الانفاق الحكومي سيعزز من فرص تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 بما في ذلك زيادة الإيرادات غير النفطية وتخفيض نسب البطالة وزيادة نسب تملك المواطنين للمساكن واستكمال مشاريع البنية التحتية، كما أنه عزز من تدفق الاستثمارات في القطاع المالي وزاد من حجم أدوات الدين في السوق المالية خصوصا الصكوك الإسلامية، ما زاد في خيارات الاستثمار في السوق المالية.
الخلاصة، إن العجز يمكن أن يكون سلبيا في حال كان بهدف تغطية تكاليف ضرورية مثل الرواتب لكن إذا كان الإنفاق رأسماليًا بهدف استكمال المشاريع التنموية التي ستحقق عوائد فور الانتهاء منها فإن الأثر مختلف بل يمكن أن يكون لذلك آثار أخرى تتعلق بتخفيض نسب البطالة وتدفق مزيد من الاستثمارات في القطاع المالي، وتوفير فرص خيارات استثمارات إضافية في السوق المالية.