التنمية المستدامة واليوم العالمي للملكية الفكرية

لدى "الأمم المتحدة"، وما يتبعها من منظمات دولية، قائمة طويلة بأيام يحمل كل منها تاريخا سنويا، تم اختيارها لتكون رموزا لموضوعات مهمة، يجري الاحتفال بها كل عام للتذكير بأهمية موضوعاتها، وتعزيز العمل على تفعيلها، والاستفادة من أثرها في المجتمعات الإنسانية. واليوم العالمي للملكية الفكرية هو أحد هذه الأيام، ويأتي بتاريخ 26 أبريل من كل عام، ويلقى رعاية "المنظمة الدولية للملكية الفكرية"، فضلا عن اهتمام مؤسسات دول العالم المختلفة بمضامين موضوعه، التي تشمل تشجيع الإبداع والابتكار، وتحفيز التنمية، وتوجيهها نحو العطاء والاستدامة. ويأتي هذا اليوم، في عامنا هذا 2024، حاملا شعارا يقول "الملكية الفكرية وأهداف التنمية المستدامة: بناء مستقبلنا المشترك بالابتكار والإبداع".

يذكرنا هذا الشعار بأول تقارير الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة. وقد صدر هذا التقرير عن "لجنة برندتلاند"، 1987، وحمل عنوان "مستقبلنا المشترك". وكانت السيدة "جرو هارليم برندتلاند" رئيسة لهذه اللجنة، وهي التي أصبحت بعد ذلك رئيسة لوزراء بلدها النرويج بين عامي 1990 و1996. وقد أوضح تقرير برندتلاند أن التنمية المستدامة هي تلك "القادرة على الاستجابة لمتطلبات الحاضر، دون الحد من قدرة الأجيال القادمة على الاستجابة لمتطلباتهم". وتحتاج هذه التنمية بالطبع، إلى التفكير والإبداع والابتكار، ضمن إطار زمني واسع المدى، متيقظ العينين، يركز بعين على متطلبات الواقع، وينظر بالأخرى إلى آفاق المستقبل. وبالطبع تبرز هنا شؤون الملكية الفكرية كوسائل لتشجيع الإبداع والابتكار وتفعيل التنمية وتعزيز استدامتها.

تهتم الملكية الفكرية، على مستوى العالم، بحماية سبعة أنواع من المعطيات الفكرية، القادرة على الإسهام في التنمية. يضم النوع الأول ما يعرف ببراءات الاختراع، وتشمل حماية اختراعات واكتشافات تتمتع بصفات وظيفية فنية في مختلف المجالات. ويتضمن النوع الثاني حماية ما يسمى بنماذج الأدوات، ويماثل هذا النوع براءات الاختراع في مجالاته، لكن صفاته لا ترقى عادة إلى مستوى الصفات المطلوبة للبراءات. وهناك بعد ذلك رموز وتصميمات العلامات التجارية، والمعلومات الخاصة بالأسرار التجارية، والتصميمات الصناعية، وحقوق النشر، إضافة إلى النباتات المتعددة المستنبتة من نباتات أخرى.

يستطيع أصحاب هذه المعطيات الفكرية تسجيلها في المكاتب المخصصة لذلك، بحيث يتمتعون بملكيتها، أي بالتحكم في شؤون استخدامها، ضمن فترة زمنية محدودة بنحو 10 إلى 20 عاما، ضمن المنطقة الجغرافية التي يغطيها مكتب التسجيل. ولدى كثير من الدول مؤسسات حكومية تختص بشؤون الملكية الفكرية، ولدى المملكة، في هذا المجال، هيئة سعودية تختص بشؤون الملكية الفكرية. وهناك على المستوى الدولي نظام البراءات الدولية، وله شروطه الخاصة، وتغطي حمايته لبراءات الاختراع مناطق جغرافية مختلفة، تحددها الدول المشاركة في هذا النظام.

بلغ عدد طلبات تسجيل براءات الاختراع حول العالم، عام 2021، نحو 3.4 مليون طلب، بزيادة قدرها 3.6 % عن العام السابق 2020. وقد تم قبول تسجيل نحو 1.8 مليون براءة، هي البراءات التي حققت شروط التسجيل، أي نحو 53 % من الطلبات. ولا تحوز جميع البراءات المسجلة الاستخدام الفعلي، والوصول إلى السوق، من خلال الاستثمار فيها، ربما لضعف اطلاع المستثمرين على هذه البراءات، أو ربما لغياب مبررات الجدوى في كثير من البراءات. وقد يكون من المناسب طرح موضوع الجدوى بقوة أكبر في مضامين البراءات المسجلة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة البراءات التي حظيت بالتطبيق الفعلي والوصول إلى السوق في الصين وصلت إلى نحو 35 % من مجمل البراءات المسجلة خلال الفترة 2011 حتى 2022.

تقدم براءات الاختراع للمجتمعات الإنسانية بنوكا معرفية تحمل أرصدة فكرية تحتاج إلى أرصدة مالية تنقلها إلى السوق. وهي بذلك لا تحفز المستثمرين فقط، بل تحفز المبدعين والمبتكرين أيضا، ضمن أطر قانونية تحفظ الحقوق، وتبني بيئة تعاون عادل فيما بين هذين الطرفين. والمستفيد هنا ليس هذين الطرفين فقط، بل المجتمع ذاته أيضا، حيث يؤدي ذلك إلى تشغيل اليد العاملة التي تشارك في توليد الثروة، فضلا عن الاستفادة من المنتجات المعطاة. وفي ذلك بالطبع إسهام مطلوب في التنمية، وتفعيل للتجدد المستمر الذي يعزز استدامتها. ويتمثل الدور المأمول لدفع عجلة هذه النشاطات إلى الأمام في منظومة متكاملة جامعة لأطراف الإبداع والابتكار والاستثمار، وما يرتبط بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي