خبيرة "فاو" لـ"الاقتصادية": عدم اليقين الاقتصادي يعرض الزراعة للخطر وارتفاع الدولار هاجس للفاتورة الغذائية

خبيرة "فاو" لـ"الاقتصادية": عدم اليقين الاقتصادي يعرض الزراعة للخطر وارتفاع الدولار هاجس للفاتورة الغذائية
واجه ما بين 691 و783 مليون شخص الجوع في العالم في 2022.
خبيرة "فاو" لـ"الاقتصادية": عدم اليقين الاقتصادي يعرض الزراعة للخطر وارتفاع الدولار هاجس للفاتورة الغذائية
مونيكا توثوفا الخبيرة الاقتصادية في منظمة "فاو".
قالت لـ"الاقتصادية" مونيكا توثوفا الخبيرة الاقتصادية في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو": إن ارتفاع الدولار بسبب زيادة أسعار الفائدة، يشكل هاجسا لكثير من دول العالم، حيث ترتفع تكلفة فاتورة الواردات الزراعية، كما تتأثر قرارات المزارعين بشأن الاستثمارات في القطاع. وذكرت أن عدم اليقين الاقتصادي العالمي يعرض الزراعة للخطر، مرجحة بقاء فاتورة الواردات الغذائية العالمية عند مستوى مرتفع قدره تريليوني دولار. وأوضحت أن الصراعات والتوترات الجيوسياسية لها تداعيات على الواردات الغذائية، كما تؤدي إلى اضطرابات في التجارة الدولية، مبينة أن إفريقيا تعد المنطقة الأكثر تضررا من الجوع، حيث يواجه واحد من كل خمسة أشخاص الجوع في القارة، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي. الخبيرة في المنظمة الأممية لفتت إلى إن المنطقة العربية من أكثر المناطق شحا بالمياه على مستوى العالم، مبينة أن الإجهاد المائي في عديد من بلدان المنطقة مرتفع للغاية. وأكدت أن الزراعة في بعض الدول العربية تعد مصدرا مهما لسبل العيش ومسهما رئيسا في الاقتصادات الوطنية، مشيرة إلى أن زيادة الإنتاج الزراعي في الدول يلبي الطلب على السلع الغذائية. فإلى نص الحوار: هل تتوقع منظمة "فاو" موجة جديدة من التراجعات السعرية بعد وصول بعض السلع إلى أدنى مستوى لها منذ ثلاثة أعوام، وهل الانخفاضات الحالية نتيجة للارتفاع في زمن كورونا؟ أسعار السلع الزراعية في الأسواق العالمية تتحدد حسب العرض والطلب. ويظل الطلب على السلع الغذائية ثابتا نسبيا حيث يحتاج الناس إلى تناول الطعام بغض النظر عن الظروف الاقتصادية - على الرغم من أنهم يختارون ما يشترونه على أساس السعر وقدرتهم الشرائية. ومع ذلك، يمكن أن يتأثر العرض بمجموعة متنوعة من العوامل، من بينها الطقس الأكثر شيوعا - والأكثر تغيرا. في الوقت الراهن، تتمتع أسواق السلع الغذائية الأساسية بإمدادات جيدة بشكل عام، كما هو موثق في مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء، حيث بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء، الذي يتتبع التغيرات الشهرية في الأسعار الدولية لمجموعة من السلع الغذائية المتداولة عالميا، 118.3 نقطة في مارس، بانخفاض 7.7 % عن قيمته المقابلة قبل عام. كما أنها كانت أقل بأكثر من 26 % من قيمتها القصوى التي وصلت إليها في مارس 2022 بعد بدء الحرب في أوكرانيا. غير أن التطورات في أسعار السلع الغذائية الأساسية تخضع لعدد من الأمور. وبالنظر إلى اعتماد الزراعة على الظروف الجوية، فإن الظروف الجوية المعاكسة تشكل خطرا متزايدا على إنتاج الغذاء في أجزاء مختلفة من العالم. يمكن أن يكون للصراعات والتوترات الجيوسياسية تداعيات على الطلب على الواردات الغذائية وأن تؤدي إلى اضطرابات في التجارة. وتؤدي التغيرات المفاجئة في السياسة التجارية إلى عدم اليقين وتؤدي إلى تقلب الأسعار (مثل قيود التصدير). وعلى المدى الطويل، يشكل السياق الاقتصادي تهديدا خطرا للزراعة، الذي يمكن أن يزيد من عدم اليقين ويؤثر على الاستثمارات مثل (النكسات الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم، وأسعار الصرف، والتطورات في أسواق النفط..). تحدثتم في تقاريركم عن موجات الجفاف التي ستضرب بعض مناطق العالم وقد تؤثر في المحاصيل الزراعية ، ماذا عن الجفاف في المنطقة العربية؟ تعد المنطقة العربية من أكثر المناطق شحا بالمياه على مستوى العالم. وحتى في الأعوام التي يهطل فيها متوسط هطول الأمطار، فإن الإجهاد المائي في عديد من بلدان المنطقة العربية مرتفع للغاية. وبالنظر إلى التنوع الاقتصادي في المنطقة، تعد الزراعة في بعض البلدان مصدرا مهما لسبل العيش الريفية ومسهما مهما في الاقتصادات الوطنية. ويتسبب تكرار الجفاف في إحداث أضرار كبيرة بشكل خاص في الجزء الغربي من شمال إفريقيا (المغرب والجزائر وتونس) حيث يعتمد معظم إنتاج الحبوب على الأمطار. أما مصر، حيث يتمتع المزارعون بإمكانية ري محاصيلهم من نهر النيل، فهي الأقل تأثرا. وبالانتقال إلى الشرق الأدنى، فقد تأثر العراق وسورية بالجفاف في الماضي. وحتى الآن خلال هذا العام الزراعي، يتأثر المغرب وأجزاء من الجزائر وتونس مرة أخرى بالجفاف، في حين أن الظروف في سوريا والعراق مواتية نسبيا. برأيك ما الدول العربية المرشحة لمرحلة الاكتفاء والأمن الغذائي في ظل المتغيرات العالمية؟ "الكفاية الغذائية" و"الأمن الغذائي" مفهومان مختلفان. ومن المفترض أن السؤال موجه نحو زيادة حصة الإنتاج المحلي في تلبية الطلب على السلع الغذائية للاستهلاك البشري في بلد ما. ولا تعلق منظمة الأغذية والزراعة على خيارات السياسات الخاصة ببلدان معينة. بعد قولي هذا، تمت الإجابة على جزء من السؤال أعلاه: الإجهاد المائي في المنطقة العربية مرتفع للغاية بالفعل، وأي زيادات في الإنتاج المحلي في أي مكان في العالم يجب أن تتم بطريقة مستدامة. ما الحلول لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول التي تعاني من ارتفاع سعر صرف الدولار؟ يتم تحديد أسعار السلع العالمية بشكل عام بالدولار الأمريكي. ورغم أن أسعار السلع الغذائية العالمية قد انخفضت عن ذروتها، ما أراح البلدان المستوردة، فإن عديدا من البلدان المستوردة لم تشعر بالضرورة بانخفاض عملتها الوطنية. وهذا هو الحال بشكل خاص في البلدان التي انخفضت قيمة عملتها الوطنية مقابل الدولار الأمريكي. ولا تزال فاتورة الواردات الغذائية في تلك البلدان مرتفعة، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة في أسعار الأغذية المحلية. كدعم فوري للبلدان التي تواجه مشكلات في ميزان المدفوعات، هناك مساعدة متاحة. على سبيل المثال، كان صندوق النقد الدولي (IMF) يقوم بتيسير نافذة الصدمات الغذائية، التي كانت تتماشى مع مرفق تمويل الواردات الغذائية الذي اقترحته منظمة الأغذية والزراعة في أوائل 2022. وتهدف نافذة الصدمات الغذائية إلى تخفيف عبء ارتفاع النفقات الغذائية المستوردة بين الفئات المنخفضة الدخل. وينبغي الاهتمام بحماية الفئات الأكثر ضعفا، على سبيل المثال من خلال تقديم إعانات دعم مستهدفة (بدلا من دعم السلع للجميع، بغض النظر عما إذا كان المستهلكون بحاجة إلى إعانات أم لا). وفي أعقاب بداية الحرب في أوكرانيا - مع وصول أسعار القمح العالمية إلى ذروتها - قيل كثير أيضا حول تنويع الأنظمة الغذائية والعودة إلى الحبوب التقليدية. ويظل النهج الصحيح للغاية هو استكشاف طرق للحد من فقد الأغذية وهدرها. وعلى المدى الأطول ـ وحيثما أمكن ذلك على نحو مستدام ـ تستطيع البلدان أن تحاول تعزيز إنتاج الغذاء المحلي، وذلك في كثير من الأحيان من خلال تحسين الممارسات الزراعية والاستثمار في زيادة الإنتاجية الزراعية. ما التوقعات لقيمة فاتورة الإنفاق العالمي على الواردات الغذائية خلال 2024؟ في 2024، متوقع أن تصل فاتورة الواردات الغذائية العالمية إلى مستوى مرتفع جديد قدره تريليوني دولار أمريكي. ومن المتوقع أن تقود البلدان المرتفعة الدخل والشريحة العليا من الدخل المتوسط هذه الزيادة، التي من المرجح أن تكون أقل وضوحا مما كانت عليه في الأعوام السابقة. ويشير تحليل المكون الغذائي في مؤشر أسعار المستهلك لعينة من البلدان النامية والبلدان ذات الدخل المرتفع المستوردة الصافية للأغذية إلى تباطؤ عام في أسعار الغذاء في 2023. ليس لدينا بعد أرقام لعام 2024. وكما أوضحنا سابقا، تظل أسواق المواد الغذائية الأساسية هادئة نسبيا، رغم اضطرابات الشحن، خاصة في البحر الأحمر، التي تسهم في زيادة تكاليف الشحن والتأمين. وفي العام الماضي، كانت هناك أيضا قيود على الشحن في قناة بنما نتيجة قلة هطول الأمطار ما أدى إلى تقييد عدد السفن التي تمر عبر القناة. والوضع في بنما آخذ في التحسن. كم عدد الجياع في العالم بنهاية 2023 وما أسماء الدول التي تسجل أعدادا هائلة؟ آخر الأرقام المتوفرة لدينا في الوقت الحالي هي لعام 2022، ويجري الآن إعداد التقديرات لعام 2023، وسيتم إصدارها في أوائل يوليو. ظل الجوع العالمي دون تغيير نسبيا في 2022، بعد ارتفاعه بشكل حاد في 2021 في أعقاب جائحة كوفيد-19، ليؤثر في نحو 9.2 % من سكان العالم في 2022 مقارنة بنسبة 7.9 % في 2019. وواجه ما بين 691 و783 مليون شخص الجوع في العالم في 2022. وبالنظر إلى المدى المتوسط. ظل معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد دون تغيير للسنة الثانية على التوالي بعد ارتفاعه بشكل حاد من 2019 إلى 2020. ولم يحصل نحو 29.6 % من سكان العالم، أي ما يعادل 2.4 مليار شخص، على إمكانية الوصول المستمر إلى الغذاء. ومن بينهم، واجه نحو 900 مليون فرد انعدام الأمن الغذائي الشديد. وتم إحراز تقدم في آسيا وأمريكا اللاتينية، ولكن الجوع ما زال في ارتفاع في غرب آسيا ومنطقة البحر الكاريبي وفي جميع المناطق دون الإقليمية في إفريقيا. ولا تزال إفريقيا هي المنطقة الأكثر تضررا، حيث يواجه واحد من كل خمسة أشخاص الجوع في القارة، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي. وإذا ظلت الاتجاهات على ما هي عليه، فلن يتم تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول 2030. ما توصيات منظمة الأغذية والزراعة للمشاريع العالمية التي تسهم في تقليل عدد الجياع في العالم؟ هناك عديد من الاستراتيجيات الممكنة - والمكملة - التي يجري تنفيذها بالفعل للحد من عدد الجياع في العالم. وفي حين أن الجوع يأتي من نقص الطاقة، إلا أنه لا بد من معالجة سوء التغذية أيضا. ومن بين الاستراتيجيات الممكنة، يعد تحويل النظم الغذائية وتعزيز مرونة النظم الغذائية إحدى الاستراتيجيات المهمة. ومن المفيد أيضا الاستثمار في البحث والتطوير، واعتماد التقنيات الخضراء والرقمية. وإدراكا لأهمية سبل العيش الزراعية، فإن دعم صغار منتجي الأغذية يحسن قدرتهم على الصمود، ولكنه يسهم أيضا في تحسين نتائج الأمن الغذائي. وبما أن جميع الأشخاص في المجتمع لا يتأثرون بالطريقة نفسها، فيجب تحسين قدرة الفئات السكانية الضعيفة على الصمود، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وأخيرا وليس آخرا، ينبغي للتجارة الدولية أن تظل مفتوحة ــ لأنها تسهم في الاستقرار العام، وتسمح للبلدان بالاعتماد على التجارة لتوفير الغذاء. ما مدى تأثير قرارات البنوك المركزية المتعلقة بأسعار الفائدة على أسواق الغذاء العالمية وخاصة الدول التي تعاني من شح الدولار؟ التغيرات في أسعار الفائدة لها آثار مباشرة على الأنشطة الاقتصادية في الدولة التي تقوم بتعديل أسعار الفائدة، حيث إنه من خلال زيادة سعر الفائدة، يصبح الائتمان أكثر تكلفة، ويؤثر في القرارات التي يتخذها المزارعون - من بين الأنشطة الاقتصادية الأخرى - بشأن مستوى الاستثمار، وما إلى ذلك. وللتعامل مع معدلات التضخم المتزايدة، تميل البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة لتشجيع الادخار وزيادة الاستثمار وخفض الاستهلاك. وأسعار السلع الغذائية العالمية مقومة بالدولار الأمريكي. وعليه يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة النسبية إلى تغيير أسعار الصرف. وبعبارات بسيطة، فإن زيادة الفائدة يرفع قيمة الدولار، ما يعني انخفاض قيمة العملات الأخرى، وجعل الواردات أكثر تكلفة بالعملة المحلية.

الأكثر قراءة