خفض التصنيف الائتماني للصين إلى سلبي .. 47.5 تريليون دولار ديون ليست الأزمة بل أحد أعراضها

خفض التصنيف الائتماني للصين إلى سلبي .. 47.5 تريليون دولار ديون ليست الأزمة بل أحد أعراضها
الصين تعاني أزمة عقارات وغياب للمنافسة وخسائر تراكمية بفعل سوء تخصيص الاستثمار. المصدر: الفرنسية
خفض التصنيف الائتماني للصين إلى سلبي .. 47.5 تريليون دولار ديون ليست الأزمة بل أحد أعراضها
الصين تعاني أزمة عقارات وغياب للمنافسة وخسائر تراكمية بفعل سوء تخصيص الاستثمار. المصدر: رويترز
في شهر ديسمبر الماضي، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني توقعاتها الائتمانية للصين من مستقرة إلى سلبية، واليوم تتبنى وكالة فيتش الموقف ذاته وتخفض تصنيف ثاني أكبر اقتصاد في العالم من مستقر إلى سلبي أيضا، وفي الحالتين كان السبب تريليونات الدولارات ديونا على الحكومات الإقليمية، بما يجبر بكين على تقديم الدعم لها ويؤثر في الموارد المالية للحكومة الصينية في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي. فما قصة الديون الصينية التي تنهك اقتصاد يطمح قادته لأن يحتلوا المركز الأول عالميا هذا القرن؟ وفقا لصندوق النقد الدولي، زاد الدين الإجمالي الصيني كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أربعة أضعاف منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتحديدا خلال العقد الأخير، والعام الماضي بلغت ديون الصين 47.5 تريليون دولار، لتتجاوز الولايات المتحدة من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن الحكومة الصينية سارعت بانتقاد قرار الوكالة، وقالت "إنها أخفقت في أن تعكس دور السياسة النقدية في تعزيز النمو، ما يساعد على استقرار أعباء الديون". وأعربت وزارة المالية عن أسفها للقرار، وقالت في بيان "من النتائج يمكن ملاحظة أن نظام المؤشرات لمنهجية التصنيف الائتماني السيادي لوكالة فيتش فشل في أن يعكس بشكل فعال واستباقي جهود بكين لتعزيز النمو الاقتصادي". مع هذا يرى البروفيسور مارتين بيتس الاستشاري السابق لوزارة المالية البريطانية، أن الارتفاع الكبير في الديون الصينية لا يشكل المشكلة في حد ذاتها، بل أحد اعراضها. بيتس قال لـ"الاقتصادية" إن "المشكلة الحقيقية هي الخسائر التراكمية، غير المعترف بها والمرتبطة بسوء تخصيص الاستثمار على مدى العقد الماضي، فهناك فائض من العقارات وإفراط في البنية الأساسية، وغياب للمنافسة الحقيقية في التصنيع ودعم حكومي للصناعة بشكل كبير للحفاظ على لقب مصنع العالم". من جانبه، يرى الدكتور إم . دي جريج أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ليدز، أن مشكلة الديون الصينية باتت من العمق، بحيث يستغرق حلها سنوات وربما عقودا، الأمر الذي سيضر بقطاعات أخرى من الاقتصاد الصيني. وأوضح جريج لـ"الاقتصادية" أنه "على الحكومة تهدئة الأسواق في أسرع وقت، فضغط الديون المتراكمة يهدد بانهيار النموذج الاقتصادي المرتكز على الاستثمار الضخم في البنية التحتية وقطاع العقارات الذي بدأ ينهار، وإذا دخلت الصين في انكماش أو ركود اقتصادي فسيكون من الصعب على الأسر والشركات خدمة ديونها، والعلاج التقليدي بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الإنفاق الحكومي وخفض أسعار الفائدة وتوسيع حجم الائتمان يمثل مخاطرة ويعيد تضخيم الفقاعة العقارية ويضخم كومة الديون، لهذا حذرت وكالة فيتش من تنامي العجز في الميزانية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 5.8 % العام الماضي إلى 7.1 % هذا العام". يلقي أغلب الخبراء بأزمة المديونية الصينية الراهنة على عاتق وين جياباو رئيس الوزراء الصيني السابق الذي أطلق خطة إنفاق حكومي ضخمة عام 2008 قدرت بـ555 مليار دولار أي نحو 13 % من الناتج المحلي الإجمالي الصيني حينها، وأدت الخطة إلى الوقوع في فخ الديون التي تطاردها حتى اليوم. وقال لـ"الاقتصادية" تابلين ناثانيال الخبير الاستثماري "مستقبل الصين الاقتصادي مرهون بمدى براعتها في التصدي لأزمة الديون، ونجاح أو انهيار النظام المالي الصيني، ومسار الاقتصاد ككل، مرهون بذلك، ففي عالم المال لا أحد كبير على الإفلاس والانهيار إذا لم يتخذ القرارات الحكيمة". ويعتقد تابلين ناثانيال أن القرار الحكيم يتطلب أن تسمح الصين لبعض الأذرع الاستثمارية الحكومية المثقلة بالديون بإعلان فشلها وإفلاسها، لأن ذلك سيكون أفضل من إبقائها على أجهزة دعم باهظة الثمن أو الاعتماد على انتعاش استهلاكي بعيد المنال. وبالطبع التصنيف الائتماني لأي دولة أمر متغير ويتبدل ارتفاعا وهبوطا أو العكس، وتسعى الصين حاليا لشراء الوقت عسى أن تجد حلا لأزمة مديونيتها، لكن الحقيقة التي يجب أن تواجهها هي أنه لا فرار من تجرع دواء شديد المرارة إذا أرادت أن تستعيد عافيتها الاقتصادية مجددا.

الأكثر قراءة