الترويج للاستثمار الجماعي في غرف دردشة العمل فكرة سيئة

الترويج للاستثمار الجماعي في غرف دردشة العمل فكرة سيئة
صورة تعبيرية. "بلومبرغ"
من بين القنوات المتعددة التي يتيحها نظام التراسل الداخلي في "ميتا بلاتفورمز"، كانت هناك مجموعة مخصصة يناقش فيها الموظفون الاستثمار في القطاع العقاري. وبحسب "بلومبرغ"، فقد بدأ سيف خفاجي في 2019 وكان حينها موظفا معنيا بتعيين مهندسين، ويعمل في مكتب "ميتا" في لوس أنجلوس، يروج لـ"سكاوتبادز"، وهي خدمة أنشأها بهدف توصيل المستخدمين بالمطوّرين العقاريين للاستثمار في العقارات. لم تكن "سكاوتبادز" تستثمر في العقارات مباشرة. بل كانت منصة على الإنترنت تعمل كوسيط بين المستثمرين والشركاء في القطاع العقاري الذين يجمعون استثمارات لشراء عقارات في المناطق السكنية عادة، وكانت الشركة الناشئة تحصل على رسوم إحالة من عوائد مستخدميها عند البيع. نالت الفكرة استحسان موظفي "ميتا"، الذين لديهم وفرة من المال وميل طبيعي لموقع تمويل جماعي يقلل من الاحتكاك الذي يتأتى من الاستثمار المباشر. كما أن ظهورها في غرفة دردشة خاصة بالشركة أضفى عليها صبغةً شرعيةً. لذا استثمر عبرها عشرات من زملاء خفاجي. حماسة للاستثمار لم يبد الأمر غريبا بمعايير وادي السيليكون، إذ يرى المهندسون ومديرو المنتجات الطموحون أحيانا فترة عملهم في كبرى شركات التقنية سبيلاً لاكتساب الخبرة وتكوين مدخرات تساعدهم على تأسيس شركاتهم الناشئة. وليس غريبا على مؤسسي الشركات أن يبدأوا استكشاف مشروعهم قبل أن يتخلوا عن وظيفتهم الثابتة، كما أنه ليس غريباً أن يستثمر الموظفون في قطاع التقنية في شركات بعضهم بعضا. يمكن للعاملين في هذا القطاع أن يصبحوا أثرياء بسرعة فائقة بفضل مِنح الأسهم، وهم يتحمسون عادة لتشغيل هذه الأموال. ولطالما سمحت "ميتا"، حالها في ذلك حال كثير من كبريات شركات التقنية، لموظفيها أن يستثمروا في شركات ناشئة لا صلة لها بالشركة، وهو ما يفعله كثير من مسؤوليها التنفيذيين منذ سنوات. قالت كريستينا كرامليك، المخططة المالية المعتمدة والمستشارة في "تشيكوري ويلث": إن هذا جزء من ثقافة وادي السيليكون. الأمر شائع بالتأكيد، خصوصاً في فترات الازدهار. الأمر الأقل شيوعا هو أن يستقطب موظف لدى الشركة الاستثمار عبر أنظمة الشركة الداخلية. اتضحت الأسباب التي تدعم فكرة أنه ينبغي على الموظفين أن يمارسوا هواياتهم الاستثمارية خارج أوقات العمل حين أفلست "سكاوتبادز" وتسببت بخسائر 50 مليون دولار لـ 160 شخصاً كانوا قد عثروا على استثمارات في القطاع العقاري عبرها، ومنهم عشرات من موظفي "ميتا". قال خفاجي إن "الناس يحق لهم أن يشعروا بالاستياء" لكنه ألقى باللوم أيضاً على أحد الشركاء العقاريين لـ"سكاوتبادز"، ورفعت مجموعة من مستخدمي "سكاوتبادز" دعوى تتهم ذلك الشريك، وهو شركة عقارات تُسمى "ميتاليك بلو ديفلوبمنت" أو "إم بي دي"، بالاحتيال. علاقة "ميتا" لم تكن لـ"ميتا" أي صلة مباشرة بالواقعة، لكن ذلك لا يهم بالضرورة حين يشعر الناس بأنهم تضرروا. قدم الموظفون شكوى إلى الشركة بأن عليها أن تتحمل مسؤولية ما يدور في غرف الدردشة الداخلية لديها. وقال جيف سميث، وهو مصمم منتجات سابق في "فيسبوك" أوضح أنه خسر أكثر من 50 ألف دولار "ربما كان ينبغي لـ (ميتا) أن تكون لديها سياسة ضد أي نوع من الترويج المشابه.. أعتقد أن أمرا كهذا قد يحدث في أي بيئة عمل". وقالت متحدثة باسم "ميتا" إن الشركة "حققت في الأمر"، وإن الشخص لم يعد موظفا بالشركة، زرفضت المتحدثة التعليق على ظروف ترك خفاجي للشركة، ولم ترد على أسئلة حول ذلك، كما رفضت "ميتا" أن تقدم مزيداً من المعلومات عن سياساتها المتعلقة باستقطاب الاستثمارات في مكان العمل. لكن أحد المستثمرين في "سكاوتبادز" قال إن ردة فعل "ميتا" على الواقعة كانت إضافة قاعدة تنطوي على عدم السماح للموظفين بالحديث عن فرص استثمار معينة في مكان العمل. وقال موظفو "ميتا" الذين استثمروا من خلال "سكاوتبادز" إن أحد عوامل الجذب كان أن أحد زملائهم كان يبني المنصة، بين أحد المستثمرين، وهو مدير هندسي يعتبر نفسه مخضرما نسبيا في قطاع العقارات لكنه لم يستثمر إطلاقا في شركة ناشئة من تأسيس أحد زملائه، إنه وجد خفاجي مقنعا. بعد أن شهد عدد من زملاء خفاجي بموثوقيته، استثمر ذلك المدير الهندسي 200 ألف دولار، كان أحد كبار مديري المنتجات في "فيسبوك ماركتبليس"، حيث يشتري الناس ويبيعون السلع المستعملة، يستثمر بشكل دوري في الشركات الناشئة التي يديرها أصدقاء أو زملاء عمل سابقون. لم يستثمر هذا المدير أبداً في شركة يملكها شخص كان يعمل معه، لكن "سكاوتبادز" كانت تروج لنفسها بزعم أن عوائد كل صفقة تبلغ 20 أو 25 %، وفقا لمستثمرين ومعلومات موثقة اطلعت عليها "بلومبرغ بزنسويك"، لذا استثمر هو الآخر فيها. تطور نشاط "سكاوتبادز" تحدثت "بزنسويك" إجمالا إلى سبعة موظفين حاليين وسابقين في "ميتا" ممن استثمروا في "سكاوتبادز". كان كل منهم قد استثمر ما بين 100 و 500 ألف دولار، وفقا لوثائق قدموها. وسحب هؤلاء المستثمرون أموالاً من حساباتهم المصرفية أو باعوا أسهماً يملكونها في "ميتا" بغرض تمويل الرهانات. طلب عدد منهم عدم كشف هوياتهم خشية اتخاذ إجراء قانوني ضدهم، ولحماية علاقاتهم في مجال الأعمال. بعد عام، كانت الأمور تبدو جيدة. قال كبير مدير المنتجات إنه استثمر 30 ألف دولار دفعة واحدة في عقارات سكنية في لوس أنجلوس، وجلب له ذلك عائدا بلغ 40 ألف دولار. بعدما تشجع كثير منهم، بدأوا بإعادة استثمار كل أرباحهم. كما بدأوا أيضا يجلبون زملاءهم وأصدقاءهم وأقرباءهم. قال سميث، الذي أوضح أنه كان يستثمر في الأسهم والشركات الناشئة لسنوات ولم يكن له اطلاع على مجال العقارات، إن "سكاوتبادز" كانت تقدم علاوات الإحالة للمستخدمين الذين يجلبون مستثمرين جددا. وبعد سنوات عدة من العوائد الإيجابية، دعا سميث أحد زملائه السابقين الذي كان قد انتقل للعمل لدى شركة "إير بي إن بي" بعدما ترك وظيفته في "ميتا" في 2019. في 2021، توقفت "ميتاليك بلو ديفلوبمنت" عن مشاركة حصيلتها مع "سكاوتبادز". لم تكن نسبة نشاط "سكاوتبادز" من خلال "إم بي دي" واضحة، لكن ما حدث كان تهديداً وجودياً للشركة الناشئة. ولم يتمكن المستثمرون الذين حاولوا سحب أموالهم من ذلك، وقال بعض المستثمرين عبر "سكاوتبادز" إنهم لم يتمكنوا من التواصل مع خفاجي في تلك الفترة، أما خفاجي فقد قال إنه لم يتمكن من التواصل مع "إم بي دي". في 2022، رفع خفاجي وعدد من المستثمرين دعوى لفرض الإفلاس غير الطوعي على "إم بي دي"، وصدر حكم لصالحهم في يوليو 2023. تنازل موظفو "ميتا" عن دعواهم ضد "إم بي دي" بعدما رفع خفاجي دعواه، إذ أدركوا أنهم لن يستعيدوا أصولا من شركة قيد الإفلاس. ولم يرد متحدث باسم "إم بي دي" على طلبات بالتعليق. خسائر ضخمة مني بعض موظفي "ميتا" بخسائر كبيرة. قال المستثمرون السبعة الذين تحدثت "بزنسويك" معهم إنهم خسروا أكثر من مليون دولار إجمالاً، وقال أحد كبار المهندسين إنه خسر نصف مليون دولار. ولام بعضهم خفاجي، بل وفكروا بأن يستعينوا بمحقق خاص للتدقيق في نشاط الشركة. قال ريتشارد تشين، وهو مستثمر وأحد كبار المهندسين سابقاً في "فيسبوك": "كثير منا غاضبون بشدة في ما يخص هذه القضية". وصف خفاجي نفسه بأنه أحد الضحايا، قائلا إنه خسر 1.3 مليون دولار، وإن جانبا من هذا المبلغ كان لوالدته. رغم ذلك، قال في مقابلة مع "بزنسويك": "أشعر بقدر من المسؤولية الأخلاقية بمجرد كوني الشخص الذي يتحدثون إليه". وأسس خفاجي في 2021 شركة أخرى، وهي "تكفستور" التي تستخدم نموذجا مماثلا يتيح للناس الاستثمار في عقارات تؤجر عبر منصة "إير بي إن بي". قال أحد مديري الثروات ممن عملوا لفترة طويلة في وادي السيليكون، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته لتجنب إقصاء العملاء المستقبليين، إن الدرس الأساسي المستفاد هو أن العاملين في التقنية من الأثرياء ليسوا دوما مستثمرين محنكين. قال "جميع هؤلاء مثقفون وأذكياء، لكنهم ليسوا بالضرورة أصحاب دراية بعالم المال". عدم التدقيق في الاستثمارات أقرّ بعض المستثمرين بأنهم لم يدققوا في استثماراتهم عن كثب، قائلين إنهم لم يقرأوا صفحات الوثائق التي كانت توضح تفاصيل شروط الاستثمار، وأقر أحد المهندسين بأنه لم يعرف حتى اسم خفاجي، وذلك لأن مجرد علمه أنه زميل في الشركة كان سببا كافيا ليثق به. رغم ذلك، قال سميث إنه درس الوضع. قال "نحن أناس مثقفون بذلنا الكثير من العناية الواجبة وعرضنا الأمر على مستشارين وزرنا الوحدات العقارية. اجتاز الأمر كل الاختبارات حقاً بالنسبة لي". بين سميث أنه لا يتوقع أن يستعيد أمواله أبدا. انتقل كثير من المستثمرين من غرفة الدردشة الخاصة بـ"ميتا" إلى شركات مثل "أمازون دوت كوم" و"غوغل" و"لينكد إن" و"سترايب"، وقد جمع بعضهم عشرات ملايين الدولارات للشركات الناشئة وشركات رأس المال الجريء الخاصة بهم. لا تشعر جيوتي، وهي موظفة سابقة في "ميتا" خسرت 100 ألف دولار وطلبت تعريفها باسمها الأول فقط، بالسوء تجاه نفسها. قالت جيوتي إنها لن تستثمر في قطاع العقارات مجددا لكنها واصلت الاستثمار في الشركات الناشئة، تعتزم جيوتي أن تحصل على خصم ضريبي على الأموال التي خسرتها. قالت جيوتي إنها هي وزملاؤها ما يزالون يحاولون اكتشاف الخلل الذي وقع. قالت "كل ما يمكننا التفكير فيه هو أنهم تمكنوا من الاستفادة من هذه الشبكة".

الأكثر قراءة