الرياض .. من عاصمة تشارك في صُنع سياسات العالم إلى رسم خطوط اقتصاده

الرياض .. من عاصمة تشارك في صُنع سياسات العالم إلى رسم خطوط اقتصاده
استقطاب الشركات الأجنبية يسهم في إضافة 71 مليار ريال للاقتصاد بحلول 2030. المصدر: "كافد"

 يقول هنري كيسنجر في كتابه "الدبلوماسية"، إن القوى الكبرى تنظر دومًا إلى الرياض والقاهرة قبل اتخاذ أي قرار يخص منطقة الشرق الأوسط، فالعاصمتان مركز الثِقل الحقيقي، فواحدة تجسّد الإرث الديني، والثانية الإرث التاريخي، تلك النظرة للسياسي الأمريكي الراحل لم تكن وليدة الحرب الباردة كما تصوّر هو، بل تعود إلى 1932 حين تم توحيد المملكة وأضحت الرياض قِبلة الوفود الرسمية الكبرى وصاحبة الكلمة المؤثرة في الحرب والسلم.

ولأن الاقتصاد توأم السياسة، فلن يقتصر الأمر على عاصمة تشارك في صُنع سياسات العالم فقط، بل ترسم خطوط اقتصاده، هذا ما أكده لويجي دي مايو، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في منطقة الخليج، حين أوضح منذ أيام أن أكثر من 350 شركة أوروبية حصلت على تراخيصها لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض، إضافة إلى دعم تأسيس أول غرفة تجارة أوروبية في الخليج، وسيتم افتتاحها في مايو المقبل.

تلك الخطوات، جاءت نتيجة ما وصل إليه إجمالي التجارة المجمعة للسلع بين الاتحاد الأوروبي والسعودية، إذ بلغ 88 مليار يورو في 2023، بعد أن كانت 70 مليار يورو في 2022، إضافة إلى ارتفاع مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر من 63.6 مليار يورو إلى 95.4 مليار يورو في نفس المدة، أما المواطنون فقد بلغوا 25 ألف عامل يقيمون في المملكة.

وإذا كانت شركات الاتحاد الأوروبي جاءت من تلقاء نفسها، فإن هذا يسير بالتوازي مع سياسة المملكة التي أعلنتها الهيئة الملكية لمدينة الرياض 2021، حين أوضحت أنها تطمح إلى استقطاب من 400 إلى 500 شركة أجنبية خلال الأعوام العشرة المقبلة، لتتخذ من عاصمة السعودية مقرًا إقليميًا لها، موضحة حينها أن ذلك سيسهم في توفير ما بين 30 ألف إلى 40 ألف وظيفة للسعودية بحلول 2030، كما ستسهم في إضافة نحو 71 مليار ريال للاقتصاد المحلي.

ولتنفيذ تلك الخطة الطموحة وضعت المملكة مسارين، أولهما تحديد الأول من يناير 2024 كموعد نهائي لنقل الشركات مقرها الإقليمي بالرياض وإلا ستفقد التعاون في أي مشاريع سعودية، ومن ناحية أخرى قدّمت تسهيلات للشركات المتجاوبة مثل تقديم حزمة حوافز ضريبية جديدة لمدة 30 سنة، لجذب المقار الإقليمية للشركات العالمية، تشجيعًا لها ضمن "البرنامج السعودي لجذب المقار الإقليمية"، وحزمة الإعفاء الضريبي تشمل نسبة صفر % لكل من ضريبة الدخل على كيانات المقار، كما ستكون تلك الشركات هي فقط المؤهلة للمناقصات والعقود التي تطرحها الجهات الحكومية.

عطايا الرياض لم تتوقف، بل منحت تلك الشركات الحصول على عدد غير محدود من تأشيرات العمل، وإعفاؤها لمدة 10 سنوات من شرط النسبة المحددة من الوظائف للسعوديين، بجانب ذلك، فإن البنية التحتية والرقمية للعاصمة السعودية، كانت حاضرة بقوة، إذ تحتل الرياض المركز الثالث في أذكى المدن العربية بحسب المعهد الدولي للتنمية الإدارية 2023، كما احتلت 2019 المرتبة 26 في جودة الحياة بحسب دويتشه بنك الألماني لتتفوق على مدن مثل مدريد ونيويورك وباريس.

كل تلك العوامل مجتمعة، أسهمت في أن يلتحق بالرياض حتى ديسمبر 2023، نحو 200 شركة نقلت مقرها إلى العاصمة السعودية، كان أبرزها: سيمنس الألمانية وديدي الصينية وجيليدز البريطانية، كما بلغ الاستثمار الأجنبي في المملكة 122 مليار ريال في 2022، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى تصنيف السعودية كأسرع اقتصادات "مجموعة العشرين" نموًا في نفس العام.

ولأن السابقين فازوا، فاللاحقون صاروا يتسارعون إلى عاصمة المملكة التي لن تستهدف تلك المرة 500 شركة لأن الأرقام باتت أكبر بكثير، وأضحت الرياض هي عاصمة المال والأعمال الجديدة لتتساوى بل تتفوق أحيانًا على مدن مثل لندن ونيويورك وهونغ كونغ، مراكز المال العالمية، أما المواطن السعودي فهو رابح في كل الأحوال بعد أن تمكنت قيادته من تخفيض نسبة البطالة إلى 7.7 % وهو معدل تاريخي منذ 1999، ولتصبح نسبة 7 % المستهدفة في رؤية 2030 قاب قوسين من التنفيذ.          

الأكثر قراءة