جغرافية السعودية .. لوحة فنية تخلت عن اللون الأصفر لمصلحة «الأخضر»

جغرافية السعودية .. لوحة فنية تخلت عن اللون الأصفر لمصلحة «الأخضر»
استطاعت السعودية خلال عامين إطلاق 77 برنامج باستثمارات تجاوزت قيمتها 700 مليار ريال لتحقيق أهداف مبادرة السعودية الخضراء. المصدر: واس

إذا طلبت من أحد الرسامين تشكيل السعودية في لوحة فنية، خلال عشرينيات القرن الماضي، فأول ما سيختاره اللون الأصفر معبرا عن "الربع الخالي"، أكبر صحراء رملية متصلة في العالم، لكن إن كررت الطلب اليوم، فسيطغى على لوحته اللون الأخضر الذي يحكي باختصار، كيف تحولت دولة كانت الصحراء عنوانها الرئيس، إلى وطن من كثرة نموه صار اللون الأخضر ليس فقط لون رايته، ولكن حقيقة تتلمسها في كل بقعة جغرافية، من الجوف إلى جازان، ومن مكة إلى الدمام.

وإن كان الرسام لا يحتاج سوى بضعة ثوان ليصبغ فرشته باللون الجديد، بيد أن الأمر على مستوى الدول ليس بهذه البساطة، حيث سعت المملكة منذ عقود إلى الحفاظ على البيئة، لكن الوتيرة ظلت بطيئة حتى 2021 حين أطلق الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، مبادرة السعودية الخضراء، وبعد عامين، صدر قرار مجلس الوزراء بتحديد يوم رسمي من كل عام للمبادرة كمناسبة سنوية للتوعية بأهمية العمل البيئي.

يستهدف اليوم الرسمي للمبادرة الذي حل في 27 مارس الماضي، الكشف عن دور المملكة في تحقيق الاستدامة وحماية الحياة على كوكب الأرض من التدهور البيئي، إضافة إلى توعية الأجيال الجديدة بقضايا كوكبهم، وتسليط الضوء عليها محليا ودوليا، وليس أفضل من مناسبة وطنية لتحقيق ذلك، وهذا ما دل عليه الإقبال الكبير من السعوديين للمشاركة في اليوم الذي يدعو كل المشاركين فيه إلى بعض الخطوات البسيطة مثل تقليل استهلاك الطاقة وزراعة الأشجار والتوعية بأهمية مبادرة السعودية الخضراء واستخدام وسائل النقل العام أو المشي أو ركوب الدراجة بدلا من القيادة.

إضافة إلى ذلك، فهناك آلاف الفاعليات التي نظمتها أجهزة الدولة من الهيئات والوزارات والإدارات التعليمية للتعريف أكثر بمبادرة السعودية الخضراء، التي استهدفت وقت إطلاقها في 2021، زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة بحلول 2030، وحماية 30 % من المناطق البرية والبحرية السعودية، وخفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويا، فضلا عن توسيع نطاق العمل المناخي بمبادرات مثلت استثمارات تزيد على 186 مليار دولار، وزيادة السعة الإنتاجية لمشروعات الطاقة المتجددة وإصلاح عشرات الآلاف من هكتارات الأراضي المتدهورة.

ولأن الأهداف كبيرة، فالنتائج جاءت أكبر، إذ وحدت المملكة جهود القطاعين الحكومي والخاص، واستطاعت خلال عامين إطلاق 77 برنامج مختلف باستثمارات تجاوزت قيمتها 700 مليار ريال سعودي لتحقيق أهداف المبادرة، وبحسب الأرقام الرسمية، فحتى الربع الثالث من 2023، تمت زراعة 43.0 مليون شجرة في مختلف أنحاء السعودية، واستصلاح 94 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة، وتحقيق زيادة بنسبة 300 % في السعة الإنتاجية في خفض انبعاثات الكربون، إضافة إلى أكثر من 8 غيغا واط في السعة الإنتاجية لمشروعات الطاقة المتجددة، وحماية 18.1 % من المناطق البرية، و6.49 % من المناطق البحرية، بجانب إعادة توطين 1669 حيوانا مهددا بالانقراض مثل المها العربي والنمر العربي.

تلك الإنجازات نتاج مبادرة السعودية الخضراء التي يعتقد البعض أنها الوحيدة ضمن جهود المملكة، لكن الحقيقة أن هناك عشرات المبادرات الأخرى مثل الشرق الأوسط الأخضر، التي تعد أول تحالف إقليمي من نوعه تستهدف من خلاله المملكة زراعة 50 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، واستصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي، إضافة إلى خفض الانبعاثات وإزالة أكثر من 670 مليونا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.

لذلك، فإن 27 مارس لن يكون مناسبة وطنية للتوعية بخطر التغيرات المناخية المتوقع أن تصل تكلفتها حتى 2060 نحو 24 تريليون دولار بحسب جامعة كوليدج بلندن، بل فرصة أكبر للتصدي لهذا الخطر كما فعلت المملكة بتخصيص 188 مليار دولار حتى الآن لمواجهته، وجعلته من قبل هدفا أساسا في رؤية 2030 لتحسين جودة الحياة على الكوكب، أما السعوديون فقد أثبتوا جدارتهم بمتطوعين وصل عددهم في مبادرات التشجير خلال عامين إلى 150 ألفا، ولعلنا في السنوات القريبة نرى 27 مارس مناسبة عالمية بروح سعودية كساعة الأرض في 31 مارس التي تطفأ الأنوار فيها حفاظا على البيئة.

الأكثر قراءة