Author

هل الطاقة الشمسية مجدية اقتصاديا؟

|
مختص في شؤون الطاقة

تواصل معي أحد الأصدقاء ليسأل عن الجدوى الاقتصادية لإنشاء محطة طاقة شمسية للقطاع السكني، وأن لديه تصورا أن فترة استرداد رأس المال لإنشاء محطات الطاقة الشمسية يصل إلى 20 عاما.

الحقيقة أن هذا السؤال قادني إلى سبر أغوار هذا الموضوع الذي يستحق في اعتقادي عشرات المقالات لتفنيد بعض المفاهيم الخاطئة عن محطات الطاقة الشمسية سواء كانت للقطاع السكني أو التجاري أو الصناعي، لكن سأحاول جاهدا أن أوجز في هذه السلسلة من المقالات بتسليط الضوء على أهم النقاط الرئيسة، والصور الذهنية الخاطئة، وبعض الممارسات الخاطئة في رأيي وأثر الطاقة الشمسية على الاقتصاد الكلي والجزئي.

بداية أود أن أشير أن مزيج الطاقة هو توجه عالمي، والسعودية في مقدمة الدول التي تعي يقينا أهمية رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون تهميش أي مصدر من مصادر الطاقة، حيث إن العالم ينمو بصورة متسارعة، والصناعة تتوسع بصورة كبيرة، والمدنية هي هدف رئيس لجميع دول العالم وعلى وجه الخصوص الدول النامية، ولا يستقيم في اعتقادي أبدا تحقيق ما سبق في منأى عن الطاقة، فهي قلب التطور النابض، وشريان الصناعة الرئيس، والعمود الفقري للرفاه والاستقرار الاجتماعي والمدنية.

فيما يخص الاقتصاد الكلي فإن رؤية السعودية 2030 تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، والمضي قدما بفاعلية في زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، وما نشهده على أرض الواقع يدل على أن هناك حرصا من القيادة نحو هذا الهدف الاستراتيجي، وعملا دؤوبا بقيادة وزارة الطاقة والجهات ذات العلاقة.

أهداف هذا التوجه الاستراتيجي كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، تنويع الاقتصاد، والحفاظ على الثروات الناضبة ورفع كفاءة استخراجها واستهلاكها وعلى رأسها النفط، إضافة إلى خفض الانبعاثات، ونقل التقنيات وتوطينها وغيرها كثير.

الطاقة الشمسية أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة التي تشهد حراكا متسارعا على مستوى العالم، وتطورت تقنياتها تطورا لافتا في العقد الأخير، ما انعكس على تكلفة إنتاجها، وجدواها الاقتصادية بطبيعة الحال. تهدف السعودية -بإذن الله تعالى- إلى إنتاج ما يقارب 200 جيجاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، والمتوقع أن تصل تكلفته إلى 200 مليار دولار. هذا المشروع الطموح يعد الأضخم في العالم بلا منازع، ويخفض فاتورة إنتاج الكهرباء بنحو 40 مليار دولار.

من أهداف هذا المشروع أيضا، تقليل تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية، حيث ستستخدم هذه الطاقة بشكل رئيس في تحلية المياه والزراعة، وسيصدر الفائض منها، ما يدعم "الرؤية" في تنويع مصادر الدخل. هذه بعض آثار رحلة تحول الطاقة والوصول إلى مزيج فاعل لها، لكن أود أشير هنا أن هناك من يتعاطى بمبالغة عجيبة حول دور ومستقبل الطاقة الشمسية على المديين القصير والمتوسط "نكاية" بالوقود الأحفوري عموما، والنفط خصوصا، وفي المقابل هناك من يقلل من شأنها، ويسعى جاهدا إلى تهميشها بمبالغة عجيبة أيضا انتصارا للنفط.

في اعتقادي أن العلاقة بين مصادر الطاقة لا تقوم على معادلة صفرية، بل تقوم على مبدأ التكامل والمنفعة الناتجة عن هذا التكامل، الأكثر جدوى للعالم بأسره، وهو إنزال مصادر الطاقة منزلها الحقيقي فذلك عين الحكمة، بعيدا عن المماحكات السياسية والمصالح الاقتصادية ضيقة الأفق، فلا يمكن -في رأيي- للطاقة المتجددة أن تقصي الوقود الأحفوري، وفي المقابل لن يستطيع الوقود الأحفوري إقصاء الطاقة المتجددة، بل الأهم هو التكامل لتفادي شح الطاقة الذي سيعاني تبعاته العالم بأسره.

إنشرها