صناعة الرقائق .. حرب صامتة بلا دخان على نفط المستقبل

صناعة الرقائق .. حرب صامتة بلا دخان على نفط المستقبل
يرتقب أن تحقق سوق الرقائق ما قيمته 908.92 مليار دولار بحلول 2030. "رويترز"

يعيش العالم منذ أعوام على وقع حرب ضروس، صامتة بلا دخان، تدور رحاها في سرية تامة، وراء الكواليس، دون اعتراف بقيود الجغرافيا، فمداها يمتد على ثلاث قارات -أمريكا وأوروبا وآسيا-، بمشاركة مجموعة من الدول، تسعى جاهدة إلى تسجيل اسمهما في قائمة رواد صناعة أشباه الموصلات على الصعيد العالمي، خاصة أن توقعات الخبراء تؤكد أن "من يسيطر على سوق أشباه الموصلات يسيطر على العالم"، لكونها الضامن لكسب رهان الثورة الصناعية الرابعة.
توقع تزيده الأرقام مصداقية، فأحدث إحصاء يفيد بأن عوائد سوق أشباه الموصلات نمت بمقدار الضعف، خلال آخر 15 عاما الأخيرة، فمن 226,31 مليار دولار عام 2009 ارتفع الرقم إلى 520.13 مليار دولار عام 2023، مع توقعات بتسجيل نسبة نمو تصل إلى 13 %، خلال العام الجاري، ما يرفع الرقم إلى 588.36 مليار دولار. ويرتقب أن تحقق هذه السوق، بحلول عام 2030، وفق تقديرات شركة ماكينزي للاستشارات، ما قيمته 908.92 مليار دولار، ما يكشف الأهمية المتزايدة لهذه السوق الناشئة.
تتميز هذه الصناعة عالميا بخصوصية فريدة، فحتى اليوم لا وجود لمنشأة واحدة لأشباه الموصلات في العالم يمكنها الإنتاج بطريقة تضمن الاكتفاء الذاتي، وبذلك تكون سلاسل توريد أشباه الموصلات من أكثر سلاسل التوريد تعقيدا في العالم، فالتصنيع أحيانا يكون موزعا بين شركات تكتفي بمهمة التصميم فقط، وتسند عملية الإنتاج لشركات أخرى، قبل أن يتدخل طرف ثالث في عملية الدمج، أي: صناعة الجهاز.
ويمثل أحد الأنشطة الأكثر استراتيجية في العالم، فأشباه الموصلات بصنفيها الرئيسين: الرقائق التناظرية والرقائق الرقمية، تشكل عماد الصناعات التكنولوجية حيث تدخل في كل المنتجات الإلكترونية في حياتنا اليومية، مثل الهواتف الذكية والحواسب والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية.
كما تشكل عنصرا جوهريا في قطاعات وثيقة الصلة بالدفاع والأمن القومي، فضلا عن فرص واعدة نتيجة تشابكها مع التقنيات الناشئة في الذكاء الاصطناعي، ما يجعل المنافسة على أشدها بين القوى الكبرى، مع تسجيل مزاحمة من الدول الصغرى، للاستحواذ على نصيب من سوق قيد التشكل أو كعكة قيد التقسيم.
مشهد توقعه الأكاديمي كريس ميلر مبكرا، في كتاب "حروب الرقائق" (Chip War)، حين نبه إلى ما يمثله ذلك بالنسبة لعدد من الدول، أبرزها الولايات المتحدة التي أفاد تقرير لرابطة صناعة أشباه الموصلات أن حصة الشركات الأمريكية في سوق التصميم مثلا انخفضت بنسبة 4 % في غضون ست سنوات، ما يهدد بفقدان واشنطن الريادة في التصميم أيضا مثلما حدث في مجال التصنيع.
رد الكونغرس لم يتأخر كثيرا، بإقرار قانون "CHIPS" يرصد ميزانية تصل إلى 250 مليار دولار، ضمن خطة خماسية للأبحاث والتطوير، ترمي تقوية القدرات الأمريكية في المجال.
محاولة أمريكية قصد إثبات الذات في مشهد عالمي لصناعة الرقائق بصدد التشكل، تظهر أن القارة الآسيوية مصممة على الاستئثار به إنتاجا واستهلاكا، فإنفاق الصين على سبيل المثال، بوصفها أكبر مستورد لأشباه الموصلات في العالم، على الرقائق أكثر من إنفاقها على النفط.
فضلا عن مساعي دول آسيوية صاعدة للظفر بنصيبها من السوق، فقد استحوذت ماليزيا العام الماضي، على نسبة 13 % من حصة العالم في اختبار الرقائق والتعبئة.
وتحتل فيتنام المركز الثالث كأكبر مصدر لأشباه الموصلات إلى الولايات المتحدة، مع توقعات بنمو سنوي مركب للقطاع بنسبة 7.5 % بحلول عام 2027.
وحرصت السعودية بدورها على اقتحام هذه السوق، بكشف صندوق الاستثمارات العامة السعودي، على هامش فعاليات منتدى دافوس 2024، منتصف يناير الماضي، عن خطط للاستثمار في قطاع أشباه الموصلات.
دول جديدة في السوق من شأنها مزاحمة التايوان وكوريا الجنوبية والهند وغيرها في تصنيع وإنتاج نفط القرن الـ21 مستغلة توافرها على يد عاملة ماهرة، فالعالم بحاجة إلى ما يزيد على مليون عامل، بحلول عام 2030، لتلبية نمو بنسبة 80 % في واحدة من أهم صناعات المستقبل.

الأكثر قراءة