كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مهنة الطب
في رحلة دولية قمت بها أخيرا، وجدت نفسي متأخرا في طريقي إلى المطار. ولأنني لا أتقن اللغة المحلية، فقد استخدمت تطبيقا للترجمة مكنني من نقل مدى حرج موقفي إلى سائق سيارة الأجرة. كما أتاحت لي ميزة الكاميرا في التطبيق فهم إشارات الطريق، وتوفير التحديثات لحظيا.
هذا مجرد مثال واحد على الكيفية التي تعمل بها الابتكارات الرقمية، خاصة الذكاء الاصطناعي، على إعادة تشكيل عالمنا. تظهر دراسات حديثة أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها الآن تحديد العلامات المبكرة لمضاعفات صحية مثل تعفن الدم، وهذا يشير إلى أن هذه التكنولوجيات تقترب من إحداث ثورة في عالم الطب أيضا.
تؤكد هذه التطورات التكنولوجية السريعة أيضا الحاجة الملحة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي. ويعد قانون الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي، الذي من المتوقع أن ينال الموافقة في النصف الثاني من 2024، مثالا رئيسا على ذلك. يصنف هذا القانون الرائد أنظمة الذكاء الاصطناعي وفقا لمستويات المخاطر المرتبطة بها ويحظر صراحة تطبيقات بعينها عالية المخاطر، مثل الرصد الاجتماعي والتعرف على المشاعر، التي تشكل تهديدا للسلامة الشخصية والحريات المدنية والحكم الديمقراطي. كما يسلط القانون الضوء على أهمية الشفافية والقابلية للتفسير، حتى يتمكن المستخدمون من الوصول إلى المعلومات حول القرارات التي يولدها الذكاء الاصطناعي.
في السنوات الأخيرة، أصبح مقدمو الرعاية الصحية مثقلين على نحو متزايد بالواجبات التنظيمية والإدارية، ما يحد من قدرتهم على إقامة صلة إكلينيكية علاجية مع المرضى. يفضي "عبء التوثيق" هذا غالبا إلى الإرهاق ويتسبب في تقويض جودة الرعاية. وبتوفير إجابات آلية عن الأسئلة الروتينية، وجدولة المواعيد، وإدارة الأعمال الورقية، يصبح بوسع المنصات الممكنة بالذكاء الاصطناعي تبسيط العمليات الإدارية وتحرير الأطباء لقضاء وقت أطول مع المرضى.
لكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد ترشيد المهام الإدارية. إذ تشير مجموعة متزايدة من الأدلة السريرية إلى أن خوارزميات التعلم العميق ــ المدربة على مجموعات ضخمة من البيانات من الصور الطبية وسجلات المرضى ــ قادرة على تحليل الأشعة السينية، وصور الرنين المغناطيسي، وغير ذلك من عمليات المسح الطبي بدقة ملحوظة، وتتفوق في كثير من الأحيان على القدرات التشخيصية التي يتمتع بها الأطباء البشريون. الواقع أن هذه الابتكارات قد تحدث ثورة في عالم التشخيص الدقيق، فتعمل على تسهيل الكشف المبكر عن أمراض مثل الالتهاب الرئوي والسرطان وتدعم الجهود الصحية العالمية، خاصة في المناطق النائية حيث القدرة المحدودة على الوصول إلى الرعاية المتخصصة.
ولأن التحديات الصحية المستمرة، خاصة الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، تنبع غالبا من عدم كفاية الاستثمار في الصحة العامة والافتقار إلى التماسك الاجتماعي، فإن التصدي لهذه التحديات يتطلب أكثر من مجرد حلول تكنولوجية. وفي مثل هذه الحالات، تتجلى الحاجة إلى الإصلاح الشامل للسياسات الصحية الوطنية.
بتبني التكنولوجيات الرقمية الناشئة بطريقة مسؤولة وأخلاقية، يصبح بمقدورنا تحويل الطرق التي نستعين بها لتشخيص الأمراض وعلاجها والوقاية منها، إيذانا بدخول عصر الطب القائم على البيانات، حيث يعمل المتخصصون في مجال الصحة وأنظمة الذكاء الاصطناعي معا من أجل تقديم رعاية أفضل للجميع. لكن رغم أن الآلات من الممكن أن تساعدنا، فإن القدرة على صياغة مستقبل أكثر صحة تتوقف علينا نحن البشر كليا.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
www.project-syndicate.org