التعامل مع الظواهر السلوكية في أماكن العمل

مكان العمل عبارة عن مجتمع مصغر، عندما يتحدث عدد من الموظفين عن سلوك لا يقبلونه من زملائهم فهم يشيرون إلى أمرين، الأول أن السلوك ملاحظ، والثاني أنه غير إيجابي. تجاهل هذا الأمر له تبعات خطيرة على ثقافة المكان. قد تأتي هذه الملاحظات بطرق مختلفة، حتى من العملاء والموردين. وسواء كانت هذه الملاحظة في صيغة تبليغات أو أصداء أو تغذية راجعة أو شكاوى، السؤال المهم، كيف يتعامل الفريق الإداري أو قيادة المنظمة معها؟ في العادة هناك نوعان لردة الفعل التي تراوح التفاعلات بينها: التجاهل التام بسبب الجهل أو البرود أو ضعف الإدارة، أو التفاعل السريع والمعلن والقاسي الذي يتسم بالحماقة وعدم التروي. غني عن القول أن التطرف في ردة الفعل لن يعود بالنفع، ولكن الوسط هنا ليس الحل دائما، فالأمر قائم على ثلاثة محاور: فهم الظاهرة، المعالجة بطريقة منهجية، والجدية في التعامل مع كل الملاحظات لتحقيق متطلبات إدارة ثقافة المكان بالشكل المطلوب.
ولنفترض مثلا أنه بلغ لقيادي المنظمة وجود ظاهرتين مشاهدتين في منظمتهم الموقرة، الأولى التنمر، والثانية الاجتماعات غير المنضبطة. كيف يمكن أن تتعامل الإدارة مع هذه الملاحظات؟ أول محور هنا هو فهم الظاهرة أو السلوك، وهذا يشمل تأثير السلوك في الأفراد أو المكان، ويعني بذلك حجمه وطبيعته. ومن متطلبات الفهم ربط السلوك بقيم وسياسات الشركة، هل هو مخالف وبشكل صريح لذلك؟ ومدى انتهاك هذا السلوك للقوانين (هل ينطوي عليه تجاوز شخصي، تحرش؟)، وفهم درجة اتساق السلوك مع سابقه من ملاحظات، هل هو جديد وغريب أم أمر معتاد ومتغلغل في المكان. ومن فهم السلوك أيضا معرفة واكتشاف أنماطه، هل يحدث في وقت معين؟ لمجموعة معينة من الناس؟ هل هو متصاعد وينتشر أم يشكل احتكاكات وتعارضات مستمرة بين المجتمعات الأصغر داخل العمل. وأخيرا، ربط السلوك بثقافة المكان، هل هو بعيد جدا عن الثقافة المقبولة في المنظمة وسقف الحرية السلوكية المعتاد؟ أم بدأ هذا السلوك في الظهور نتيجة لثقافة المكان التي ترتخي - وفق تصميمها - عند بعض المعايير التي لا تعد مقبولة عند المنظمات الأخرى، ولكن تم التمادي فيه وتجاوز الخطوط المتوقعة له؟ من المهم جدا معرفة درجة تشويه هذا السلوك للثقافة المستهدفة، حتى يمكن التعامل معه وفق ذلك.
بعد فهم السلوك بشكل جيد وتحديد كل الأبعاد المرتبطة به، وتقدير أثرها، وإدراك تعارضها مع القيم والسياسات والقوانين والثقافة المستهدفة، سيتجلى الحل. سيتحدد بشكل واضح كيفية استئصال هذا السلوك، ولكيلا يتم تطبيق الحلول هنا بشكل عشوائي، أو متسرع، أو مبالغ فيه، ينبغي الالتزام بمنهجية واضحة.
تتفاوت منهجيات معالجة الظواهر السلوكية في مستوى نضجها بين مكان وآخر، فهناك منظمات لديها سياسات وإجراءات واضحة لكيفية التعامل مع المخاطر التشغيلية والتحديات السلوكية، وأخرى تفتقر إليها. إجمالا ترتكز هذه المنهجيات على ست نقاط. الأولى، التحليل والتوثيق الجيد للفهم، وهذا يعني جمع الحقائق وإثباتها وتوثيق الحكم المهني بشكل موضوعي، لأن هذا نقطة البداية لأي حل. الثانية، مراجعة القوانين واللوائح ذات العلاقة، وتحديد مدى التباين مع هذه المرجعيات العليا. الثالثة، بروتوكول التواصل الخاص بالمعالجة، وهذا يشمل تحقيق التوازن بين السرية والشفافية. الرابعة، تحديد حجم ردة الفعل والمعالجة نسبة وتناسبا مع حجم الضرر وفداحة الأمر، فالمعالجة قد تكون ناعمة في هيئة استشارة وإرشاد وتوجيه، وقد تكون إجراءات انضباطية دقيقة. الخامسة، الاهتمام بتوقيت المعالجة، فالتأخر في معالجة هذه الأمور يزعزع ثقة الموظفين بالمكان، ولكن التعجل ينبغي ألا يكون على جودة المعالجة. السادسة والأخيرة، التعلم ونقل المعرفة، وحفظ التجربة بشكل يساعد على استمرار منحنى التعلم في المكان، فقيمة المنظمات تصنع من كيفية معالجتها لمثل هذه الحوادث والظواهر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي