«الاقتصاد الدائري» .. عندما تكون قمامة هنا تصبح كنزا هناك

«الاقتصاد الدائري» .. عندما تكون قمامة هنا تصبح كنزا هناك
الاقتصاد الدائري في العالم لا يمثل سوى 8.6 % فقط. "رويترز"

يعمل الاقتصاد الدائري على كسر الحلقة التي تربط بين النشاط الاقتصادي واستخدام موارد الأرض، ويسعى إلى التقليل من الحاجة إلى المواد الخام، وذلك بالدفع نحو إعادة دمج النفايات في عملية الإنتاج، أي النظر إليها كمورد ذي قيمة، بدلا من عدها ثقلا ينبغي التخلص منه. إنه نظام دائري متكامل يتم فيه إعادة استغلال أو إعادة استخدام المواد والمنتجات وإصلاحها وحتى مشاركتها.
استبدال المسار الخطي للموارد بمسار آخر دائري، يعني النظر إلى هذه النفايات على أنها موارد متساوية في القيمة مع تلك المستعملة عند توليدها لأول مرة. وفكرة التدوير قديمة قدم النشاط البشري على وجه الأرض، فالشواهد كثيرة عن حضورها، وبأشكال مختلفة، لدى عدد من الشعوب والأمم (المصريين والإغريق والرومان...) التي أعادت تدوير الأحجار والمعادن والأخشاب وحتى النفايات العضوية كأسمدة في الزراعة.
حديثا، ظهر مصطلح الاقتصاد الدائري عام 1989، عقب صدور كتاب الاقتصاديين البريطانيين، ديفيد بيرس وكيري تيرمز "اقتصاديات الموارد الطبيعية والبيئية"، حيث رصدا فيه أوجه التكامل بين النظام البيئي والنظام الاقتصادي، وعززا ذلك بتمييز مهم بين "الاقتصاد الخطي" حيث الاستهلاك المفتوح والمستمر للموارد، وبين "الاقتصاد الدائري" الذي يقوم على فكرة الحفاظ، لأطول فترة ممكنة، على الموارد. عكس الممارسة التي سبقت التنظير بعقود من الزمن، حيث اقترنت بالثورة الصناعة أواخر القرن الـ18، مع تشكل قطاع التدوير في مواد بعينها (المعادن، الزجاج، الورق...).
رغم تزايد الدعوات المطالبة بالاستخدام الذكي للموارد، باعتماد نماذج أعمال مبتكرة، تقلل من الارتكاز على الموارد الطبيعية، فإن الاقتصاد الدائري في العالم لا يمثل سوى 8.6 % فقط، ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يطلق هذا الاقتصاد، بحلول عام 2030، فرصة سوقية تزيد عن 4.5 تريليون دولار. يبقى هذا الرقم مرشحا للارتفاع، فتقارير البنك الدولي تتوقع زيادة بنسبة 70 % لحجم النفايات العالمية، بحلول منتصف القرن، لتبلغ 3.4 مليار طن.
أخيرا، شرعت حكومات في تبني سياسات عمومية وسن تشريعات داعمة للاقتصاد الدائري، فسطرت لندن، عام 2017، رؤية للاقتصاد الدائري، تضع خريطة طريق لخمسة قطاعات ذات أولوية (الأغدية، المنسوجات، البلاستيك، الأدوات الكهربائية، المباني) لتسريع التحول إلى مدينة دائرية. مع توقعات بموارد صافية تقدر بـ 7 مليارات جنيه استرليني سنويا، بحلول عام 2036، متى تم تسريع هذا الانتقال.
من جهتها أعلنت أمستردام، عام 2020، نفسها أول مدينة في العالم تلتزم ببناء اقتصاد دائري، متعهدة بتقليص حجم استهلاك المواد الخام الجديدة إلى النصف بحلول عام 2027، مع طموح التحول إلى مدينة باقتصاد دائري بالكامل، أي استعمال المواد المعاد تدويرها فقط، في عام 2050.
والاقتصاد الدائري أضحى مدار منافسة في عديد من القطاعات، فالتدوير اليوم، بحسب ثاميشويتشلر، الرئيس التنفيذي لمركز التصليح المتحد، بات أهم مسألة في صناعة الأزياء، "فكل علامة تجارية تبحث عن سبل تبقيها على قيد الحياة. ستكون تصليحات وتعديلات الملابس جزءا من مستقبل دائرية العلامات التجارية".
وفي قطاع الإلكترونيات، سجلت الشركة الهولندية "فيرفون" حضورا قويا في مجال الاقتصاد الدائري، بتشجيع الزبائن على الاحتفاظ بهواتفهم لأطول فترة ممكنة، معتبرة على لسان إيفا غوينز، رئيستها التنفيذية، أن "إبقاء الهاتف قيد الاستخدام أطول فترة ممكنة هو أكبر تأثير يمكنك إحداثه في هذا المجال".
يوفر الاقتصاد الدائري حلولا ثورية لأغلب الأزمات (التغير المناخي، التنوع البيولوجي، محدودية الموارد...) التي تتربص بالإنسان المعاصر، فضلا عن توليده فرصا جديدة للإبداع والابتكار، تسمح للأفراد والجماعات على حد سواء، بتحقيق طموحاتهم وأحلامهم في انسجام وتناغم تامين مع النظام الطبيعي، فمن شأن القاعدة الذهبية 4R " Reduction، Reuse، Recovery،Recycling " أن تجعل القمامة كنزا ثمينا.

الأكثر قراءة