هل تتعلم شركات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية من درس إفلاس "إيريديوم"؟
إذا كانت فكرة رواد التقنية بإرسال أساطيل من الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء لإحداث ثورة في عالم الاتصالات عبر توفير اتصالات عالية السرعة في كافة أرجاء العالم تبدو مألوفة لك، فهذا لأنها ليست جديدة.
لا شك أن مثل هذه المبادرات باتت حديث الساعة مع وجود أكثر من 4000 قمر اصطناعي من شركة إيلون ماسك "ستارلينك" في المدار المنخفض للأرض، ولا تقل عنها عدداً أقمار شركات منافسة منها "أمازون"، التي لها 3236 قمراً اصطناعياً ضمن مشروع "كويبر" الذي أوجده جيف بيزوس، وفقا لـ "بلومبرغ".
لكنها أيضاً أخبار وردنا شبيهها في فترة التي سبقت هبوط أسهم التقنية في نهاية التسعينيات. فقد تضمّنت قائمة رواد الأقمار الاصطناعية الأوائل حينذاك أسماء مثل مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غيتس، والملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، والرائد في مجال الاتصالات الخليوية كريغ مكاو.
لكن لم يقترب أحد من أحلام شركة "موتورولا" رائدة الاتصال اللاسلكي التي تبنّت هذه الفكرة الجريئة في نهاية الثمانينيات، وأطلقت شبكة أقمار اصطناعية حملت اسم "إيريديوم" (Iridium) قادرة على تأمين الاتصالات الهاتفية بين مستخدمي أجهزة هواتفها التي كانت بحجم قطعة آجرّ حول العالم.
عبر الماضي
ولعل أبرز مشهد يجسد الحماسة التي سادت في ذلك الوقت جاء في يوم من أكتوبر 1998، حين وقف نائب الرئيس الأميركي آنذاك آل غور في حديقة الورود في البيت الأبيض ليجري أول اتصال رسمي عبر شبكة "إيريديوم" المؤلفة من 66 قمراً اصطناعياً، وكان على الطرف الآخر نجل حفيد مخترع الهاتف ألكسندر غراهام بل.
لكن بحلول أغسطس من العام التالي، أفلست "إيريديوم" (وقد أعيد إحياؤها بعد ذلك). فقد ركّزت مجمل أقمارها الاصطناعية على الاتصالات الصوتية، أي مكالمات الهاتف البسيطة، فيما كانت الشركات الأخرى الوافدة إلى قطاع الأقمار الاصطناعية حينئذ تطمح لتقديم اتصالات بخدمة النطاق العريض. إلا أن تلك الشركات كانت هي الأخرى تترنّح، مكبدة المستثمرين خسائر بمليارات الدولارات.
إذا هل يجب على "ستارلينك" و"كويبر" أخذ العبر من أحداث الماضي؟
ليس بالضرورة، حسبما قال براين ويدن، رئيس مسؤولي البرامج لدى مؤسسة "سيكيور ورلد" (Secure World Foundation)، التي تدعو لاستخدامات مستدامة وسليمة للفضاء الخارجي.
وشرح أن تكلفة بناء الأقمار الاصطناعية وأنظمة التحكم بها وإطلاقها إلى الفضاء "أرخص بكثير اليوم ممّا كانت عليه قبل 25 عاماً"، وذلك يرجع بجزء كبير منه إلى استفادة تقنيات هذا المجال من ابتكارات أوسع في مجال الكمبيوتر والإنترنت.
منافسة الشبكات الأرضية
هذا يختلف تماماً عمّا كان سائداً في التسعينيات، حين كانت هواتف "إيريديوم" ضخمة ويصعب حملها، كما أنها لم تكن تعمل جيداً داخل المباني أو السيارات. زد على ذلك أنها كانت باهظة الثمن، إذ وصل سعرها أحياناً إلى 3 آلاف دولار، فيما كانت أسعار الهواتف الخليوية الجديدة وخدماتها تنخفض بشكل كبير.
انخفضت أسعار هواتف الأقمار الاصطناعية مثل "إيريديوم" منذ ذلك الحين، وباتت أصغر حجماً، لكنها بقيت مخصصة لحالات استخدام محددة، كتلك التي وصفتها إحدى حملات "إيريديوم" التسويقية: "حين تسوقك المغامرة إلى أماكن غير معروفة"، كأن تذهب لاستكشاف المشي على كتلة جليدية. كذلك، تتطلب خدمة الإنترنت الفضائية التي تسوقها "ستارلينك" اليوم على امتداد الولايات المتحدة صحن استقبال خاص بسعر 599 دولاراً واشتراك شهري بقيمة 120 دولاراً شهرياً، بالتالي (على الأقل في الولايات المتحدة) ما تزال هذه الخدمة تُعتبر موجّهةً إلى من يتواجدون خارج تغطية شبكات النطاق العريض العادية.
هذا أحد الأمور التي لم تتغير منذ بداية عصر "إيريديوم"، فالشبكات الأرضية ما تزال أرخص بكثير.
تستثمر شركات مثل "فيرايزون كوميونيكشن" (Verizon Communications) و"إيه تي آند تي" (AT&T) و"تي-موبايل" (T-Mobile) مليارات الدولارات في تحسين الشبكات، مثل زيادة عدد الهوائيات وخطوط الألياف الضوئية التي تنقل البيانات، والبرامج الإلكترونية التي تنسّق كافة الأمور معاً لخدمة عشرات ملايين العملاء بشكل أفضل، فيما تعمل شركات الإنترنت الفضائي على الانطلاق في أعمالها.
في عام 2021، أنفقت هذه الشركات مجتمعة أكثر من 80 مليار دولار على نطاقات الإرسال لتوفر شارة الجيل الخامس عالية السرعة.
قال ويدن: "الأمر الأبرز الذي قضى على النسخة الأولى كان المنافسة الأرضية وهي قد تطرح تحدياً هذه المرة أيضاً".