الصين .. عثرات على الطريق والسقوط مستبعد «2 من 4»
في الواقع، أصبح الاستهلاك الأسري الصيني المسهم الأول في النمو خلال الأعوام الأخيرة. ويمثل قطاع الخدمات حاليا أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي السنوي وما يقرب من نصف إجمالي التوظيف.
وهكذا، فرغم أن المسار لم يكن متوازنا، تم إحراز تقدم هائل نحو هدف إعادة موازنة النمو، حيث أصبح الاستهلاك الأسري المحرك الأساس وراء النمو، كما نجح قطاع الخدمات في إزاحة الاستثمار بوصفه أكثر أهمية من قطاع التصنيع. وحول آفاق النمو فمن الصعب التكهن بآفاق النمو في الصين، ولا يسع معد التنبؤات إلا استخدام نمو مختلف عناصر الإنتاج كمؤشرات لما قد يحدث في المستقبل. بمرور الوقت، ارتفع الدين مقارنة بحجم الاقتصاد ـ وإن كانت مستويات الدين الإجمالي لا تتجاوز مثيلاتها في الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الولايات المتحدة واليابان.
كذلك تشهد الصين انكماش قوتها العاملة، أي السكان الذين تراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما. وبحلول 2030، يتوقع تراجع القوة العاملة بنحو 1 في المائة سنويا. وقد يعوض ارتفاع نمو الاستثمار جزءا من هذا التراخي الاقتصادي، وإن كان ذلك ينطوي على عديد من الأخطار. ويعد التراجع الأخير في نمو الاستثمار غير الحكومي ـ علما أن الاستثمار الحكومي شكل الجزء الأكبر من نمو الاستثمار الكلي في الأصول الثابتة خارج قطاع العقارات في 2022 ـ بادرة على حذر الشركات الخاصة إزاء زيادة الاستثمار حينما تستشعر أن البيئة الاقتصادية والسياسية غير مواتية.
بذلك تصبح الإنتاجية، أي مقدار المخرجات لكل وحدة من المدخلات، هي محرك النمو. وبغض النظر عن أوجه عدم الكفاءة التي يزخر بها الاقتصاد، سجلت الصين خلال العقود القليلة الماضية نموا كبيرا في الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج بلغ 3 في المائة في المتوسط ـ وهو النمو الذي لا يمكن عزوه إلى زيادة المدخلات، كالعمل ورأس المال، وهو مؤشر عام إلى الكفاءة. غير أن نمو الإنتاجية تراجع إلى نحو 1 في المائة سنويا خلال العقد الماضي. وستشهد الصين تعطلا في وتيرة النمو ما لم يتحسن نمو الإنتاجية.
وإدراكا للحاجة إلى زيادة الإنتاجية والتحول عن قطاع التصنيع منخفض المهارات، وضعت الحكومة أخيرا سياسة النمو القائمة على "التدوير المزدوج"، التي تدعم مواصلة أنشطة التجارة العالمية والتمويل، مع زيادة الاعتماد على الطلب المحلي والاكتفاء الذاتي التكنولوجي والابتكارات المحلية. غير أن هذا المنهج واجه بعض الصعاب. فالصين لا تزال في حاجة إلى التكنولوجيا الأجنبية لتطوير صناعاتها، كما أن أوجه الخلاف الاقتصادية والجغرافية ـ السياسية المتزايدة مع الولايات المتحدة والغرب قد تحد من قدرة الصين على الحصول على التكنولوجيات والمنتجات التكنولوجية المتطورة الأجنبية ومن نفاذ صادراتها إلى الأسواق. كذلك أدت الحملة التي شنتها الحكومة أخيرا على الشركات الخاصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والتعليم والصحة إلى تداعيات سلبية على ريادة الأعمال.
بشأن وجود أخطار محتملة فهناك مخاوف من احتمالات حدوث هبوط اقتصادي في الصين على غرار ما شهدته اقتصادات قوية أخرى في آسيا ـ مثل ماليزيا وتايلاند. فطوال أعوام عديدة، أثار الدين الكلي شواغل كبيرة في الصين. وبمرور الوقت، ارتفع الدين مقارنة بحجم الاقتصاد ـ وإن كانت مستويات الدين الإجمالي لا تتجاوز مثيلاتها في الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الولايات المتحدة واليابان. ومقارنة باقتصادات كبرى أخرى، سجلت الصين مستويات أقل من الاقتراض العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الاسمي. ورغم ارتفاع ديون الشركات في الصين ـ نحو 131 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، فإن معظم هذا الدين مقوم بعملة الصين ومملوك لبنوك ومستثمرين محليين، ما يجعله أقل خطرا من الديون المستحقة لمستثمرين أجانب والمقومة بعملات أجنبية، مثل الدولار الأمريكي.