سعوديان في البطحاء

حظي مقال الأربعاء الماضي بإعجاب أحد زملائي المخضرمين في كتابة المقال، أرسل لي مشكورا يقول: "مقال شيق ومتوازن، نحتاج مقالا عن قصص وحكايات ومواقف نقل الركاب".
الأربعاء الماضي كتبت باختصار عن وضع "الكدادين" ومشكلة وجودهم المزعج في المطارات، وعرجت على أن الكد على السيارة شيء مر به معظم المحتاجين أو الطموحين واقترحت على التقنيين إيجاد حل تقني لهم، وتطرقت إلى تجربتي الشخصية في العمل على سيارتي أواخر الثمانينيات في بداية أحد الفصول الدراسية.
لا توجد لدي قصص طريفة أو غريبة عن الركاب، لأني مارست هذا العمل أسبوعين فقط، لكن رسالة الزميل أعادت لي بعض الذكريات وبعض الوجوه والملامح وأحسب أن الحديث عن التجربة ينقل ملمحا من ملامح التنمية والتغيرات الاجتماعية في بلادنا والرياض تحديدا.
كانت حصافة مني ومن بعض الكدادين التوجه مباشرة إلى شارع البطحاء، لأن مراجعي معظم الدوائر الحكومية يسكنون هناك لمعقولية الأسعار، وللقرب من الوزارات التي كان أغلبها على طريق الملك عبدالعزيز الحالي في الجزء من المطار القديم وحتى الوصول إلى البطحاء. كانت الوجوه السعودية تختفي من البطحاء تدريجيا، التجار الأوائل انتقلوا إلى رحمة الله، وأبناؤهم عملوا لفترة في الدكاكين والمحال، ثم انتقلوا إلى المكاتب في العمائر في البطحاء وما حولها يديرون التوسع والفروع لأسماء أصبحت اليوم ملء السمع والبصر وصل بعضها إلى الإدراج في سوق الأسهم الرئيسة.
كان السائد أن السعودي يركب مع الكداد السعودي، والأجنبي يفضل الأجنبي، ربما لحواجز اللغة، أو حواجز الثقة آنذاك، والأجنبي يطلب تحديد السعر، السعودي في الأغلب يركب بمجرد الاطمئنان وعادة ما يكون كريما، لأن معظم الكدادين طلابا في عمر أبنائه.
ما زلت أذكر ذلك الراكب الذي أخذته من الشارع العام، طالبا الذهاب إلى محطة النقل الجماعي، أخذته إلى هناك وطلب الانتظار، عاد بعد قليل ليقول إنه يريد مقر الشركة، لم يكن هناك محركات بحث، وليس لديه العنوان، ولا يوجد هاتف متنقل، فبدأنا نسير ونسأل حتى وصلنا لمقرها في شمال الرياض، الشمال الذي يكاد يكون وسط المدينة اليوم.
أوصلته إلى جهات عدة بعدها حتى نفدت ملفاته الخضراء، وعدنا إلى البطحاء نبحث عن فندقه الذي أخطأ في اسمه حتى وجدناه بعد أكثر من ساعة، كان منظرنا يشبه العنوان أعلاه، سعوديان يدوران في البطحاء، أعطاني 600 ريال نظير عملي معه من السابعة صباحا حتى العصر، ربما هي ألذ مبلغ حصلت عليه في حياتي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي