غيوم الديون تخيم على الشرق الأوسط «2 من 4»
ولننظر إلى التفاصيل: بعض الدول كنماذج، فقد واجهت مصر على مدار أعوام ركودا اقتصاديا، يعزى جزئيا إلى عوامل اقتصادية مختلفة. وقد تفاقمت مشكلات مصر بسبب الخسائر التي منيت بها السياحة من جراء الجائحة، إلى جانب الارتفاع الحاد في تكاليف استيراد الغذاء في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا. ونتجت عن العجز الدائم في الموازنة والحفاظ على سعر الصرف الثابت احتياجات تمويلية كبيرة، تمت تلبية جزء منها من خلال التدفقات الرأسمالية الداخلة قصيرة الأجل. وكما ورد في عدد أبريل 2023 من تقرير "الراصد المالي"، الصادر عن صندوق النقد الدولي، يسجل إجمالي احتياجات مصر التمويلية في 2023 نسبة مذهلة تبلغ 35 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ما يجعلها شديدة التأثر بارتفاع أسعار الفائدة وأخطار تجديد الدين.
ويواجه الأردن أيضا النمو المنخفض، الناتج جزئيا عن سعر الصرف الثابت المقوم بأعلى من قيمته، إلى جانب الاضطرابات الجغرافية - السياسية والاقتصادية. وأدى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين والاضطرابات التجارية عقب الحرب الأهلية السورية إلى زيادة الضغوط على اقتصاده. وفي الوقت نفسه، يكافح الأردن للسيطرة على موارده العامة، مثقلا بالدعم الضخم، وتحويلات المؤسسات العامة، والنفقات الأمنية، وهو ما يرجع في الأساس إلى العوامل الجغرافية السياسية، وكل ذلك مع اعتماده بشكل كبير على المساعدات الرسمية. ولحسن الحظ، يتمتع الأردن بإطار أكثر فاعلية لصنع السياسات مقارنة بالبلدان الثلاثة الأخرى، ويعد أداؤه جيدا في ظل برنامجه الحالي مع صندوق النقد الدولي. غير أن ديونه المرتفعة تجعله شديد التعرض لأخطار التطورات السلبية.
وكانت أزمة الديون في لبنان مدفوعة بنظام غير مستدام قائم على أسعار الصرف الثابتة والموارد العامة الضعيفة، وهو الأمر الذي تطلب رفع أسعار الفائدة لجذب التدفقات الأجنبية الداخلة، فيما يطلق عليه نظام بونزي الكلاسيكي. وقد أدى هذا النظام المعيب، إلى جانب المأزق السياسي المستمر والتأثير غير المبرر للقطاع المصرفي في صنع السياسات، إلى التعجيل بحدوث أزمة اقتصادية واجتماعية متعددة الجوانب، ما أدى إلى التعثر في سداد الديون السيادية المحلية والخارجية.
وتبرز تونس الذي بدا أنه يتخذ خطوات نحو تعزيز الديمقراطية والحوكمة. غير أن دورها المتزايد في توفير فرص العمل وتقديم الدعم، إلى جانب صدمة كوفيد - 19، التي عصفت بالاقتصاد والموازنة، قد زعزعت استقرارها. وقد أصرت السلطات على الحفاظ على استقرار سعر الصرف حتى عندما كان متعذرا تحمل تكلفة ذلك. وقد أدى ذلك إلى الاعتماد على التدفقات الأجنبية الداخلة، ولا سيما من الدائنين الرسميين الذين دعموا التحول الديمقراطي في تونس. غير أن الاضطرابات السياسية الأخيرة التي أضعفت أثر التقدم الديمقراطي في تونس، إلى جانب رفض تنفيذ الإصلاحات الضرورية، أدت إلى تآكل قدرات تونس على سداد الديون، ما دفع البلاد نحو حالة المديونية الحرجة على نحو يتعذر اجتنابه.