التكنولوجيات وحاجة المزارعين الأفارقة «2 من 2»
إن تبعات الاضطرابات الجيوسياسية وتفاقم مخاطر المناخ تتجاوز الأمن الغذائي لتوجد حلقة مفرغة من الجفاف، والفيضانات، وعدم الاستقرار الاقتصادي الكلي، وأزمات موازين المدفوعات عبر القارة. إذ يستورد نحو 85 في المائة من الغذاء في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأكثر ما يسبب ذلك هي الزراعة التي تعتمد على أحوال الطقس في المنطقة. والآن تنفق القارة ما يقارب 75 مليار دولار سنويا على استيراد الحبوب، ما يستنزف الاحتياطيات الأجنبية ويزيد الضغوط على سعر الصرف. "انخفضت معظم العملات الإفريقية انخفاضا حادا في 2022، مع تراجع البير الإثيوبي على نحو خاص". ويؤثر هذا الاعتماد في الاستيراد سلبا على ميزان المدفوعات، حيث تزيد الصدمات العالمية المتكررة في سلاسل التوريد من هشاشة المنطقة.
من المتوقع أن ترتفع فاتورة استيراد الغذاء في إفريقيا ارتفاعا كبيرا في الأعوام المقبلة، لأسباب منها الصدمات المستحدثة جيوسياسيا والنمو المتوقع للسكان. ولكن التغير المناخ العالمي سيغذي هذه الزيادة أيضا. إذ وفقا لمؤشر المخاطر المناخية العالمية، كانت خمس من أكثر عشر دول تأثرا بتغير المناخ في 2019 من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تحدث ثلث ظواهر الجفاف في العالم ولكن أقل من 1 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة مجهزة بنظم الري. وتفيد تقديرات البنك الدولي أنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول 2050، فستنخفض إنتاجية المحاصيل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 10 في المائة.
وقد تتحقق هذه التوقعات القاتمة بالفعل. إذ من المتوقع أن يكون هذا العام الأكثر سخونة على الإطلاق بنحو 1.4 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية. فضلا على ذلك، إذا استمر التلوث في الارتفاع بالمعدلات الحالية، تتنبأ النماذج المناخية بزيادة الاحتباس بنسبة إضافية قدرها أربع درجات مئوية خلال هذا القرن. ولم تكن الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها على هذا الجانب من الوضوح يوما.
ونظرا إلى الاعتماد المفرط على استيراد الغذاء والتوقعات المناخية المخيفة، يجب على إفريقيا أن تبتعد عن نموذج الإنتاج الزراعي التقليدي الذي يعتمد على الأمطار. وعلى خطى إثيوبيا، يجب على القارة اعتماد التكنولوجيا لزيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين الأمن الغذائي. وسيتطلب ذلك استثمارات جريئة في تكنولوجيات الزراعة الدقيقة التي تضاعف الإنتاجية في بيئة محدودة الموارد، مثل الري بمعدلات متغيرة.
إضافة إلى الابتكارات الموفرة للمياه، يجب على صانعي السياسات الاستثمار في أصناف البذور ذات الإنتاجية العالية التي تدر محاصيل جيدة في ظروف مناخية جافة، وفي المعدات الزراعية من أجل ميكنة القطاع. وسيكون تحسين البنية التحتية، بما في ذلك نظم الري التي تعمل بالطاقة الشمسية، والتقنيات الرقمية التي تتيح للمزارعين الوصول إلى نظم التحذير المبكر وتحسين الكفاءة، أمرا ضروريا.
إن استخدام مجموعة واسعة من التكنولوجيات لتحويل قطاع الزراعة في إفريقيا سيعالج المخاوف بشأن الأمن الغذائي والقضايا المتعلقة بالبيئة والاستدامة على حد سواء. ومع أن إفريقيا تضم أكثر من 60 في المائة من الأراضي الزراعية غير المستغلة في العالم، إلا أنها لم تستفد بعد من الثورة الخضراء التي عززت الغلات في أماكن أخرى. لقد تأخرت كثيرا في ذلك. وقد تصنع قساوة تغير المناخ والاضطرابات الجيوسياسية في آخر المطاف حوافز كافية لإطلاق العنان لإمكانات القارة، وضمان الاكتفاء الذاتي، وقدرا أكبر من المرونة في إنتاج الغذاء.
خاص بـ"الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2023.