السعادة الضارة
قديما، كان معظم الأطفال يعيشون حياة طبيعية، أو يمارسون حياتهم بأنفسهم دون وصاية، يتعلم الطفل المبادئ والأخلاقيات ثم يخرج للحياة الخارجية بحلوها ومرها، يشتد عوده وتقوى عزيمته من المواقف التي يواجهها في المحيط الخارجي بعيدا عن عالم أسرته الصغيرة، فالجيران وأهل الحي جميعهم مسؤولون وحريصون، فهناك نوع من الرقابة عن بعد. تخطى الأطفال قديما جميع مراحل الدراسة وبحصيلة علمية عالية، لا علاقة لها بمعدل ولا بتقدير، ودون مدرسين خصوصيين، ونادرا ما يقوم أحد بمساعدتهم في دروسهم.
اليوم نحاصر أبناءنا، نضعهم في فقاعات أو كبسولات حماية، لا نريدهم أن يزعلوا أو يتضايقوا أو يخفقوا في دروسهم، حتى وإن كانت قدراتهم محدودة، أو يعاقبوا أو يدخلوا في معاركهم الصغيرة سواء في المدرسة أو الحارة، علاوة على عيشهم حياة افتراضية، فهم معنا بأجسادهم بينما تسبح عقولهم بعيدا.
نعتقد حين نوفر لهم كل ما يحتاجونه ونحميهم من كل ما يمكن أن يضرهم أننا نحقق لهم السعادة الدائمة، وهذا شعور ضار عكس ما نتوقع، قد يتسبب في تعرضهم لمشكلات نفسية واكتئاب، إذ لا بد أن يجرب الأطفال مجموعة واسعة من المشاعر، فهم بحاجة إلى الحزن والخوف وخيبة الأمل والخذلان، حتى يكبروا ويتحملوا ما سيمر بهم من مشكلات وتحديات على المستوى الشخصي، إضافة إلى ما يحدث في العالم من حروب ومجاعات.
توصلت دراسة شارك فيها 37 ألف شخص في 2014، إلى أن الأشخاص الذين يمرون بمشاعر مختلفة يتمتعون بصحة عقلية وبدنية أفضل، وتنخفض بينهم معدلات الاكتئاب، إلى جانب قدرتهم على التعامل مع مجموعة واسعة من المشاعر والظروف والمواقف.
تقول الدكتورة فانيسا لابوانت عالمة النفس "إن المرور بمواقف غير سعيدة يسهم في نمو الأطفال اجتماعيا وعاطفيا"، مشيرة إلى أن النمو الاجتماعي والعاطفي لا يمكن أن يدرس، بل لا بد للمرء أن يجربه بنفسه. كما يجب على الآباء مساعدة أطفالهم على المرور بالتجارب التي يحتاجون إليها حتى يبلغوا أقصى درجات النضج الاجتماعي والعاطفي، ولكي يصبح الطفل إنسانا ذكيا عاطفيا، يحتاج إلى تجربة مجموعة كاملة من المشاعر الإنسانية وليس السعادة فقط.
إن اهتمام الآباء المفرط بتلبية احتياجات أطفالهم يجعل الأطفال يعتقدون أنهم مركز العالم، وأن على الجميع تحقيق مطالبهم، ولا يعني هذا أن السعادة سيئة، أو أنه لا ينبغي البحث عن المتعة، لكن الحياة المغلفة والسعادة القسرية أو وضع السعادة هدفا وغاية وحيدة في الحياة، دون إحساس أعمق بالمعنى أو الغرض، قد تحول المشاعر الإيجابية إلى سلبية ضارة.