شركات الخسائر .. ماذا تقول النظرية؟
تعتمد نظرية الإشارة Signaling theory التي طورها مايكل سبنس العالم الاقتصادي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، على فكرة أن الأفراد والمنظمات يمكنهم نقل معلومات حول خصائصهم أو نياتهم من خلال الإشارات في سياق تمويل الشركات، وتشير نظرية الإشارات إلى أن الشركات تستخدم إشارات مختلفة لتوصيل معلوماتها الخاصة إلى السوق. ويمكن أن يشمل ذلك إجراءات مثل دفعات الأرباح أو إصدار الديون أو قرارات الاستثمار، لكن نظرية الإشارة قد تمتد إلى نحو غير موات أيضا، فعندما تتراكم الخسائر على الشركة، فإن ذلك يعد إشارة إلى وجود تحد مالي كبير يمكن أن يؤثر في عملياتها واستقرارها المالي وثقة المستثمرين.
كما أن الآثار المترتبة على هذه الخسائر الكبيرة بعيدة المدى، ما يؤثر في مختلف أصحاب المصلحة بما في ذلك المساهمون والموظفون والدائنون. لكن ليست كل الخسائر تحمل في طياتها إشارة إلى مشكلات في الأداء، فبعضها يحدث نتيجة ظروف غير مواتية مرحلية أو مؤقتة، كمثل الخسائر التي حدثت للشركات خلال أزمة كورونا، ولهذا فإن الهيئات المشرفة على الأسواق المالية قد طورت نماذج للخسائر تحمل في طياتها إشارات إلى السوق والمستثمرين، ومن ذلك تحديد سقف 20 في المائة من الخسائر المتراكمة، فهذا السقف يعني أن الخسائر قد بلغت مستوى يؤثر في هيكل رأس المال، وقدرته على الصمود، وإنتاج الأرباح المستقبلية، فالخسائر المتراكمة التي تصل إلى 20 في المائة ليست كمثل الخسائر المرحلية التي تظهر كنتيجة أعمال فترة معينة، بل هي بسبب اتجاه استراتيجي قد يكون الخروج منه صعبا أو مؤلما أو يتطلب إجراءات قاسية، فالخسائر المتراكمة تمثل اتجاها من نوعية الخسائر المستمرة لعدد من الأعوام بما يقود إلى تآكل القاعدة الرأسمالية للشركة، وبما يقلل من قدرتها على الاستثمار في فرص النمو، أو سداد الديون، أو توزيع الأرباح على المساهمين، إضافة إلى ذلك، قد يؤدي ذلك إلى انخفاض التصنيف الائتماني لها، ما يجعل جمع رأس المال من خلال تمويل الديون أكثر صعوبة وتكلفة.
وتعد الخسائر المتراكمة عند مستوى 20 في المائة فأكثر إشارة واضحة الدلالة إلى ضعف الأداء المالي للشركة، ما يعني تآكل قيمة حقوق، وانخفاضا دائما في قيمة استثماراتهم بما يؤدي إلى فقدان ثقة المستثمرين، وانخفاض قيمة سهم الشركة، سواء الدفترية أو السوقية، وقد يصل الأمر - وهو كذلك دائما - إلى مشكلات في قدرة الشركة على إنتاج النقد الكافي لمقابلة التزاماتها المتداولة ـ أي الالتزامات التي يجب دفعها خلال عام على الأقل - ما يعني صعوبات جمة في التمويل والاقتراض لمقابلة المتطلبات التشغيلية للشركة أو ارتفاع تكلفة رأس المال، نظرا إلى انخفاض التصنيفات الائتمانية للشركة. والدخول في هذا المربع يجعل من الصعب العودة منه دونما إعادة هيكلة كاملة للأصول واستخداماتها، وكذلك هيكلة حقوق الملكية بما قد يتطلب تخفيض رأس المال، وإطفاء الخسائر، والعودة مرة أخرى إلى السوق من خلال طلب تمويل من حملة الأسهم الحاليين، تجنبا لمشكلات ارتفاع سعر الفائدة، وهذه الطريقة، وإن كانت تسهم في معالجة مؤقتة للأزمة المالية، التي تواجهها الشركة، إلا أنها قد لا تخرجها من مسلسل الخسائر المتراكمة، ما لم تتم معالجة المشكلات الأساسية، سواء في السوق أو في القطاع أو في المنتجات. فالشركات التي تواجه خسائر متراكمة تصل إلى 20 في المائة في الأغلب ما تحتاج إلى تطوير استراتيجيات انتعاش شاملة وجهود للتحول.
ولا تخلو سوق مالية من وجود هذا النوع من الشركات، فقد رصد تقرير لـ"الاقتصادية" صدر هذا الأسبوع استند إلى بيانات "تداول"، أن هناك 14 شركة لديها خسائر بنحو 20 في المائة فأكثر وبما يقل عن 35 في المائة، وأربع شركات أكثر من 35 في المائة إلى أقل من 50 في المائة، وخمس شركات تبلغ خسائرها المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأس المال، منها ثلاث شركات تتجاوز خسائرها 100 في المائة من رأس المال. كما أن شركتين فقط بلغت خسائرهما المتراكمة أكثر من 9.74 مليار ريال، وسجلت 23 شركة خسائر متراكمة بنحو 20 في المائة فأكثر من رأسمالها، بإجمالي 13.15 مليار ريال، إذ تشكل في المتوسط 35 في المائة من رؤوس أموالها مجتمعة البالغة 37.4 مليار ريال.
ولأهمية مفهوم الإشارة في التعامل مع الخسائر المتراكمة فقد يتزامن نظام الشركات الجديد في المادة 32 منه، على أنه إذا بلغت خسائر الشركة المساهمة نصف رأس المال المصدر، وجب على مجلس الإدارة الإفصاح عن ذلك، وعما توصل إليه من توصيات بشأن تلك الخسائر خلال 60 يوما من تاريخ علمه ببلوغها هذا المقدار، ودعوة الجمعية العامة غير العادية إلى الاجتماع خلال 180 يوما من تاريخ العلم بذلك للنظر في استمرار الشركة، مع اتخاذ أي من الإجراءات اللازمة لمعالجة تلك الخسائر أو حلها. كما أن إجراءات هيئة السوق المالية، تقسم الشركات ذات الخسائر المتراكمة إلى ثلاث فئات: أولا، الشركات البالغة خسائرها المتراكمة 20 في المائة حتى 35 في المائة من رأس المال، وتوضع بجانبها العلامة الصفراء، وتأخذ الشركات البالغة خسائرها المتراكمة 35 في المائة حتى 50 في المائة من رأس المال، العلامة البرتقالية، بينما تحمل الشركات البالغة خسائرها المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأس المال العلامة الحمراء، وللألوان إشارة لا تخفى عن حجم المخاطر الكامنة.
خلاصة الأمر، إن ما يقدم في هذا الشأن هو تفسير للإشارات، التي تبعثها الخسائر المتراكمة، لكن القرار في يد المستثمر نفسه، واستراتيجياته، وقراءته نموذج أعمال الشركة، وقد أشار أيضا إلى قائمة الشركات التي تراكمت خسائرها فوق نسبة 20 في المائة قد تغيرت مرارا، بينما نجحت شركات في الخروج من القائمة نتيجة تعديل أوضاعها أو تحسن أرباحها أو اندماجها ومن ثم تنضم شركات جديدة إلى القائمة.