قواعد ولوائح لحماية المستثمرين .. هل تصبح أوروبا مركزا لصناعة الأصول المشفرة عالميا؟

قواعد ولوائح لحماية المستثمرين .. هل تصبح أوروبا مركزا لصناعة الأصول المشفرة عالميا؟
قواعد ولوائح لحماية المستثمرين .. هل تصبح أوروبا مركزا لصناعة الأصول المشفرة عالميا؟

بات تنظيم أسواق العملات المشفرة بالنسبة للمضاربين والمتعاملين وحتى الجهات المنظمة للأسواق المالية، أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، فانهيار بورصة العملات المشفرة FTX والتقلبات الهائلة في أسعارها خاصة بيتكوين، ترك بصمات على مدى إقبال المستثمرين على الاستثمار في هذا النوع من الأصول المالية.
في هذا الإطار، كان الاتحاد الأوروبي أول جهة دولية توافق على إصدار مجموعة شاملة من القواعد لتنظيم أسواق الأصول المشفرة، ودخلت تلك القواعد حيز التنفيذ منتصف هذا العام، لكن لن يتم تطبيقها بالكامل حتى ديسمبر من العام المقبل، ومن ثم فإن المستثمرين لن يستفيدوا من أي ضمانات تنظيمية على مستوى الاتحاد حتى هذا التاريخ.
وأصدرت هيئة الرقابة التابعة للاتحاد الأوروبي بيان جاء فيه: "إنه حتى مع تنفيذ تلك القواعد فإن على مستثمري التجزئة أن يدركوا أنه لن يكون هناك شيء مثل الأصول المشفرة الآمنة، وأن المستثمرين لن يتمتعوا بالحماية بموجب قواعد سوق الأصول المشفرة في الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام المقبل على الأقل، وحتى ذلك الحين يجب أن يظلوا مستعدين لخسارة كل أموالهم".
ويرى بعض الخبراء في مجال العملات المشفرة أن الحماية الكاملة للمستثمرين قد لا تكون متاحة فعليا في دول الاتحاد الأوروبي حتى منتصف عام 2026، لأن قوانين الاتحاد تمنح فترة انتقالية مدتها 18 شهرا لشركات العملات المشفرة للعمل دون ترخيص، كما سيتم السماح لشركات العملات المشفرة من خارج الاتحاد الأوروبي بتقديم الخدمات للعملاء في بلدان الاتحاد حتى ذلك الحين، ويعني هذا أن التطبيق الفعلي لقوانين حماية المضاربين والمستثمرين في الأصول المشفرة في الاتحاد الأوروبي لن يبدأ تطبيقها الفعلي إلا في منتصف عام 2026.
رغم بعض الملاحظات السلبية التي يبديها ستيفان إرنست نائب المدير التنفيذي لشركة "أبليكا فينانس" لتداول العملات المشفرة على قانون الاتحاد الأوروبي لتنظيم سوق الأصول المشفرة، فإنه يرحب بتلك الخطوة ويعدها إدراكا أوروبيا على ما تمثله سوق العملات المشفرة من جاذبية لقطاع كبير من المستثمرين.
وقال إرنست لـ"الاقتصادية": إن "الإجراءات التنظيمية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي حتى إن تأخر موعد تطبيقها ستعطي حماية للمستثمرين من عمليات النصب والاحتيال، ومن ثم ستعزز مزيدا من الاستثمارات في هذا السوق الذي تبلغ قيمته السوقية حاليا تريليون دولار، كما أن هذه الإجراءات القانونية ستقلص المخاوف السائدة باستخدام العملات المشفرة في عمليات غسل الأموال، حيث توجد شكوك واسعة النطاق حاليا بأن هناك انتقال للتدفقات غير المشروعة في الأصول المشفرة بسرعة في جميع أنحاء العالم ولا توجد فرصة كبيرة لاكتشافها، ومن ثم تلك الإجراءات القانونية توجد أرضية لاستبدال العملات السيادية بالعملات المشفرة على الأمد الطويل".
وأضاف "توفر هذه اللوائح القانونية ميزة تنافسية للاتحاد للأوروبي، بما يجعل صناعة الأصول المشفرة الأوروبية تتسم بوضوح تنظيمي غير موجود في الولايات المتحدة، ويؤهل ذلك أوروبا لأن تصبح المركز العالمي لصناعة الأصول المشفرة".
ويرى البعض أن الإجراءات الأوروبية لتنظيم سوق العملات المشفرة تكشف إدراك المسؤولين عن أسواق المال الأوروبية بالزيادة المقبلة في الطلب على العملات المشفرة في بلدان الاتحاد، إذ لجأ نحو 17 في المائة من الأوروبيين إلى الاستثمار في العملات المشفرة، كما تحتل عديد من الدول الأوروبية مرتبة متقدمة من حيث اقتناع مواطنيها بنجاح العملات المشفرة على الأمد الطويل، فنحو 80 في المائة من المستثمرين في المملكة المتحدة و79 في المائة من المستثمرين الألمان و75 في المائة من نظرائهم الفرنسيين يقومون بالشراء والاحتفاظ بالعملات المشفرة على المدى الطويل.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" جون بروس المحلل المالي في بورصة لندن: إن "أوروبا الوسطى والشمالية والغربية تعد ثاني أكبر اقتصاد للعملات المشفرة في العالم بعد أمريكا الشمالية، فالعملاء يبحثون عادة عن بدائل للعوائد الضعيفة للمدخرات، وكانوا يفضلون العوائد العالية على الرموز المميزة أو ما يعرف بـNFT، لكنها لم تعد مفضلة لديهم، ولذلك يبحثون عن عوائد عالية الأداء وطويلة الأجل وهو ما توفره بيتكوين وإيثريوم".
لكن القوانين التي سنها الاتحاد الأوروبي لحماية المستثمرين في الأصول المشفرة أدت إلى زيادة حدة المنافسة بين البلدان الأوروبية، سعيا من كل دولة أوروبية إلى أن تحتل موقع المركز الأوروبي لتداول العملات المشفرة، فالمملكة المتحدة هي أكبر اقتصاد للعملات المشفرة في منطقة أوروبا الوسطى والشمالية والغربية وتحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث حجم المعاملات الأولية بما يقدر بنحو 252.1 مليار دولار تم تلقيها العام الماضي.
وفرنسا لا شك تمثل منافسا رئيسا للمملكة المتحدة، إذ اختار لاعبون رئيسون في مجال العملات المشفرة باريس بوصفها مقرهم الأوروبي خاصة مع خروج لندن من الاتحاد الأوروبي، وحاليا تحتل فرنسا المرتبة الرابعة من حيث قيمة سوق العملات المشفرة، ومن المرجح أن يمنح الإطار التنظيمي الأوروبي دفعة قوية للأمام لفرنسا.
وفي إيطاليا تزدهر سوق العملات المشفرة في المدن التي تضم خبراء في مجال الاقتصاد الرقمي كما هو الحال في ميلانو، كما ينافس الألمان أيضا بشدة لأخذ نصيب أكبر من السوق، خاصة بعد تصريح مسؤولين كبار في البنك المركزي الألماني بأن بيتكوين لربما تكون ذهب القرن الـ21.
مع هذا، يرى بعض الخبراء أن الجهود الأوروبية التي تصبوا إلى تنظيم سوق العملات المشفرة كخطوة أساسية لدعم المستثمرين ومن ثم تمكين الاتحاد الأوروبي بأن يصبح مركزا أو المركز العالمي لتداول العمالات المشفرة، قد يصعب أن تحقق ما يرنو إليه دون إدخال تغيرات جذرية على النظام المصرفي لديه وعلاقته بسوق العملات المشفرة، ويعني هذا في الأساس إعادة النظر في التشريعات المصرفية الأوروبية بشأن رأس مال البنوك، وكيفية تقييم البنوك للأخطار.
بدوره، ذكر لـ"الاقتصادية" ليفينز فييمونت الخبير المصرفي أن "البنوك الأوروبية لديها خياران أساسيان فيما يتعلق بالتعامل مع الإجراءات التنظيمية الجديدة للاتحاد الأوروبي، فإما أن ينضموا ويتكيفوا مع تطور السوق، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن سوق العملات المشفرة تتطور، وإذا تكيفوا مع تلك التغيرات سيكونون قادرين على المنافسة في هذه السوق، ما يفتح لهم أفقا أوسع في عالم الأصول المشفرة، وبالطبع مزيدا من الأرباح مع درجة أعلى من المخاطرة، والخيار الثاني رفض التكييف مع عالم الأصول المشفرة، ومن ثم التركيز على تقديم مزيد من الخدمات التقليدية".
ويواصل فييمونت حديثه لـ"الاقتصادية" قائلا: "لكن أعتقد أن رؤساء مجالس عديد من البنوك الأوروبية يدركون أن العملات المشفرة أصبحت الآن جزءا من عالمنا المعاصر، وهناك مبرر تجاري للبنوك التقليدية لاقتحام هذا العالم، بل احتضانه، واللوائح الأوروبية تمنح درجة عالية من الأمان للمستثمرين في عالم الأصول المشفرة، لأن اللوائح الصادرة أخيرا تضمن حماية المتعاملين، وكذلك تساعد على استعادة الثقة في الأسواق عندما تهتز، وترفع من درجة المسألة بإلزام مقدمي خدمات العملات المشفرة بدرجة عالية من الشفافية".
وتسعى أوروبا إلى تنظيم سوق العملات المشفرة لإيجاد إطار عام لضمان أن يمارس المتعاملين في السوق أنشطتهم داخلها وضمن الحدود التي ترسمها، حيث يوجد ذلك درجة أعلى من الاستقرار ويحد نسبيا من التقلبات الواسعة في قيمة العملات المشفرة.
لكن هذا الإطار، لا يمكن له أن يؤدي إلى نتائج حقيقية إذا لم يصبح النظام المصرفي الأوروبي أكثر تقبلا لتقديم خدمات العملات المشفرة، وأن يعمل على دمجها في مجموعة الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء، ودون ذلك لن يكون لدى الأوروبيين إلا إطار ذهبي للوحة رديئة ذات ألوان باهتة.

الأكثر قراءة