Author

استثمارات الفنون نشطة بالمزادات

|

الناظر إلى سوق الفنون على المستوى العالمي عموما، يرى أنها لم تتأثر سلبا بصورة كبيرة جراء الأزمات التي يمر بها الاقتصاد الدولي. فقد تراجعت في بعض الفترات القصيرة، إلا أنها سرعان ما عادت إلى النمو الذي تمتعت به على مدى عقود من الزمن. وسوق الفنون تتوسع، مع زيادة في معدلات المبيعات ولا سيما تلك التي تجري عبر المزادات، خصوصا على الساحة الغربية. ففي العام الماضي ارتفعت المبيعات بنسبة 16 في المائة إلى 12.6 مليار دولار، من 10.9 مليار دولار تم تسجيلها في 2021، وفق مؤسسة "آرت ماركت برايس". ورغم أن أداء سوق الفنون الأمريكية تراجعت في الآونة الأخيرة، إلا أنها عادت العام الماضي إلى المركز الأول، ما يعزز هذا النشاط، ويدعم مسارات نموه عالميا. فالسوق الأمريكية سجلت عددا قياسيا في المعاملات التي تجري ضمن نطاق المزادات الكبرى المعروفة.
والحق أن النمو في هذا الميدان ليس حكرا على الدول الغربية فحسب، بل يشمل دولا في آسيا بقيادة الصين بالطبع، التي دخلت بقوة منذ أكثر من عقدين إلى هذه السوق، وحافظت على تكريس حراكها النشط فيها. ففي 2021 انخفضت مبيعات الفنون العالمية بمعدل 3.1 في المائة، وذلك بسبب التراجع الذي حدث في مبيعات الصين، حيث بلغ الانخفاض 34 في المائة، نتيجة السياسات الحكومية التي فرضت من أجل الوصول إلى ما أطلق عليه في بكين "صفر كوفيد". فهذا التراجع أسهم في بعض التباطؤ العالمي. لكن الأمور عادت وفي فترة قصيرة إلى ما كانت عليه قبل انفجار جائحة كورونا عموما، وقبل دخول العالم في مواجهة صعبة مع الموجة التضخمية التي لا تزال ماثلة على الساحة بأشكال مختلفة حتى الآن.
لا تباطؤ حاليا في سوق الفنون عموما، وفي ميادين المزادات العالمية. ويبدو واضحا أن الحراك الراهن بصورته النشطة هذه، يستند إلى عوامل اقتصادية أساسية، ففي ظل حال عدم اليقين الاقتصادي العالمي تنشط المضاربات في هذه السوق، فضلا عن أن الأزمات الناتجة عن الخلافات الجيوسياسية الحادة، تضيف مزيدا من قوة الدفع لتعزيز مسار هذه المضاربات من جانب أصحاب رؤوس الأموال عموما.
وعلى هذا الأساس، ستشهد سوق الفنون نموا متواصلا في الفترة المقبلة، إلا إذا حدثت صدمات قوية تصيب الاقتصاد العالمي. لكن حتى هذه الصدمات لم تعد مرجحة في الوقت الراهن، لأن هذا الأخير مر بالفعل بواحدة من أسوأ الفترات منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في 2008. الذي يرفع من التفاؤل في هذه السوق، أن الولايات المتحدة عادت إلى احتلال مركزها الأول على المستوى العالمي، ففي أسبوع واحد فقط تجاوزت مبيعات الأعمال الفنية في نيويورك ملياري دولار، في حين أن السوق تظهر أداء جيدا، ما يعزز الثقة فيها، علما بأن هناك مزادات أخرى كبرى ستنظم في وقت لاحق، ما يدفع السوق إلى مزيد من النمو. وفي العام الماضي بلغ حجم مبيعات المزادات في الولايات المتحدة 7.34 مليار دولار، حيث تم بيع 158 ألف قطعة فنية مختلفة. وتستحوذ أمريكا على نحو 44 في المائة من حجم هذه السوق العالمية عموما. ومع عودة النشاط الطبيعي الكامل على الساحة الصينية، فمن المتوقع أن يرتفع حجم سوق الفنون في العام المقبل بصورة كبيرة مقارنة بالفترة الماضية، إلى جانب مزادات رئيسة في مناطق متعددة من العالم تستعد لإطلاق نشاطها بقوة في الفترة المقبلة.

إنشرها