التحديات وتحقيق الأحلام

هالني بعض المحتوى المعروض في وسائل التواصل الاجتماعي مثل تيك توك ويوتيوب، وما هالني نوعه وحجمه، حتى إنه يشكل ظاهرة اجتماعية ما من شك أن وراءها أسبابا نفسية يمر بها أصحاب هذا المحتوى، ويتمثل المحتوى اللافت للانتباه في الأحلام وتفسيرها، وكذلك السحر والجن، وتلبسهم للإنسان، إذ وجد رقاة ومفسرو أحلام على وسائل التواصل يعطون من وقتهم كثيرا للمتصلين بهم من ذوي الحاجة لإراحتهم، ما يعانونه من ضيق وقلق، أو اضطراب نفسي ناجم عما يعتقد أنه سحر، أو تلبس جن، كما أن هذا الوجود الكثيف للمفسرين، والرقاة لا يستبعد المصالح الشخصية، كما أن بعض الأحلام تبدو مبشرات، وذات طابع إيجابي لصاحب الحلم، أو لطرف آخر قد يكون قريبا أو غيره.
لاحظت أن أغلب المتصلين بشأن السحر والجن والأحلام من النساء، ولعل الأسئلة التي يتكرر طرحها من مفسر الأحلام، أو من يعتقد في قدرته على إعطاء الوصفة العلاجية تتمثل في: هل أنت متزوجة، وهل لديك أولاد، وهل تعملين، أم ربة منزل؟ وهذه أسئلة وجيهة كأسئلة الطبيب التي يوجهها إلى مريض يشتكي من تلبك في المعدة مثل: ماذا تأكل، متى تأكل، وكم وجبة تأكل في اليوم؟ بهدف الحصول على إجابات تمثل مفاتيح تمكن من الوصول إلى تفسير الحلم، أو إعطاء وصفة علاجية.
ما من شك أن المعاناة الفردية اقتصاديا وأسريا، أو في بيئة العمل تظهر آثارها على شكل معاناة نفسية، وسلوكية يمكن من خلالها تفسير الحالة التي يمر بها الفرد، أو الرؤية التي ربما أثارت لدى صاحبها شيئا من المخاوف، والقلق، إلا أن الأحلام ليست بالضرورة تعني المعاناة فبعضها مبشرات بتحقق أمنية كالزواج أو الحمل أو الترقية، كما أن بعضها ليست بالضرورة مرتبطة بالفرد، بل ذات علاقة بشأن عام. من المواضيع التي تضخ بشكل كبير الحديث عن المهدي والمسيح، وقرب يوم القيامة لدرجة الإسهاب في هذا الموضوع، وربطه بأشراط الساعة والملاحم، حتى ليخيل للمستمع، أو القارئ أن الساعة ستقع في أي لحظة، وأكاد أجزم أن شيئا ليس بقليل من هذا المحتوى تقف وراءه جهات مستفيدة لصرف الناس عن حياتهم الحاضرة، وعزوفهم عنها متناسين حديث "لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" ولم يقل المصطفى عليه الصلاة والسلام فليرمها، أو يحرقها في إشارة واضحة إلى غرس الأمل، وإبعاد الإحباط الذي قد يمر به الناس نتيجة الظروف التي يمرون بها.
في ظروف سابقة شبيهة بالظروف التي نمر بها الآن المتمثلة في العدوان الصهيوني على غزة كثرت الرؤى، وتم تفسير بعضها بتعسف لا يتسق مع ما تستوجبه الحالة من استعداد، وتهيؤ لما يقتضيه الظرف، وما يترتب عليه من تداعيات، وفي مثل بعض هذه التفسيرات المزعومة بتخدير الناس، وتعويدهم على عدم أخذ الأمور بالجدية التي تستوجبها، خاصة إذا تم استدعاء الأحاديث الشريفة، وإنزالها في غير منزلها، إما دون وعي وعلم، أو بوعي يستهدف إطفاء مشاعر الناس، وإخماد لهيب أمانيهم بشأن موضوع الساعة في وقته.
في فترة تاريخية غلب فيها الجهل، وغاب الوعي، والنضج الاجتماعي عند الحديث عن التقدم الصناعي، والعمراني، وارتفاع مستوى المعيشة خاصة في دول الغرب كان البعض في مجتمعنا يردد مقولة "لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" وهذه ليست من مقومات ديننا، ولا تتسق مع المقولة الذهبية "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، إن سيادة وترويج هذه العبارة، وأمثالها تحدث التثبيط، وتكشف مثل الأحلام عن نفس محبطة أصبحت عاجزة عن مواجهة التحديات، والعمل بما يحقق النمو والرفاهية، والقوة والمنعة، والابتعاد عن رفع راية العجز.
إن الشعور بالعجز وتولد الإحباط يصنعان نفوسا لا تستطيع العمل ولا تغيير واقعها لذا تجد في أحلام المنام مجالا خصبا تعلل فيها ذاتها وتنفس فيها عن مشاعرها على أمل أن الحلم يتحقق في أرض الواقع، وهذه من المعجزات فالأهداف لا تتحقق بالتمني، بل بالعمل والسعي الجاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي