الاستدامة البيئية في عصر الرقمنة والنمو الاقتصادي

بشكل عام في عالمنا اليوم يتعلق مفهوم الاستدامة بالحفاظ على التوازن بين الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية للحياة البشرية، لضمان استدامة النمو والتنمية دون تلف البيئة، وتهدف الاستدامة البيئية إلى تحقيق تنمية مستدامة تستند إلى مبادئ مهمة جدا مثل الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، وهي تأخذ في حسبانها أن القيم والاحتياجات البيئية لا بد بل يجب أن تتناسب مع الاقتصاد والمجتمع، ولذا فهي بمفهومها تركز على تحقيق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، مع مراعاة الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية في الوقت نفسه، ولكوننا في عالم التقنيات الرقمية (الرقمنة)، فإن من العوامل المساندة لتحقيق الاستدامة البيئية يكمن في طرق تصميم وتطوير ونشر وتنظيم تلك التقنيات الرقمية، لتسريع التنمية المستدامة بيئيا واجتماعيا، ولعلي في هذا المقال أتطرق إلى الاستدامة البيئية في هذا العصر الرقمي وأبعاد ذلك وأثره في النمو الاقتصادي.
تعد الحماية المستدامة للبيئة ومصادر الثروة الطبيعية من أهم المبادئ المهمة لتحقيق التنمية المستدامة، بل أصبحت الاستدامة البيئية مطلب وهدف لكثير من دول العالم، وذلك لضمان النمو الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق السلامة البيئية، ولأن هناك عديدا من التقارير مثل تلك التقارير الصادرة عن الخبراء في اللجنة الدولية والمتعلقة بالبيئة، تشير إلى أن كثيرا من المصادر الطبيعية في تناقص مستمر، لكونها محدودة وغير متجددة، خاصة تلك الخاصة بمصادر الطاقة والمياه والمواد الأولية التي يتضاعف استهلاك العالم لها بشكل متسارع منذ الثورات الصناعية، وأشارت معظم تلك التقارير إلى أن هناك تحديات ومخاطر سيواجهها العالم تشمل تلوث الهواء وزيادة الانبعاثات الغازية الكربونية وغيرها، وارتفاع درجات الحرارة وما يصاحب ذلك من كوارث طبيعية خطيرة جدا، ولذا نرى أن هناك استنفارا عالميا حول هذا الموضوع، وأن هناك جهودا دولية من الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الإقليمية والوكالات المتخصصة وغيرها، لمواجهة هذه المخاطر والتحديات البيئية، من خلال إيجاد حلول ابتكارية نوعية لذلك، وهنا يبرز دور التكنولوجيا الرقمية والابتكارات النوعية في تحقيق ذلك، لكونها تستخدم في كثير من الأنشطة وفي عديد من المجالات، ومن أمثلة هذه التقنيات الرقمية والابتكارات والتي تشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أجهزة وأنظمة الاستشعارات اللاسلكية وتقنيات إنترنت الأشياء وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتحليل البيانات والطائرات دون طيار والروبوتات والمركبات ذاتية الحركة الكهربائية والحوسبة السحابية وتقنيات الكشف والإنذار المبكر وغيرها.
وهي تؤدي دورا مهما في الاستدامة البيئية، لكونها حلولا تقنية رقمية لعديد من الاحتياجات البيئية مثل، توفير المياه النظيفة ومعالجتها، وتوفير أنظمة العدادات الذكية وتطبيقات التحكم لكثير من النشاطات، وأيضا دورها في تحقيق طاقة نظيفة مستدامة ومتاحة على نطاق واسع، والدور الكبير في التقليل من خطورة التغير المناخي من خلال التطبيقات الذكية في مجال الزراعة والنقل والطاقة، والمراقبة وجمع البيانات، إضافة إلى دورها في الحفاظ على المحيطات والثروة البحرية من خلال استخدام الخرائط الرقمية والأقمار الاصطناعية لمراقبة وجمع البيانات وتحليلها من حيث التنوع البيولوجي والتلوث والطقس وخلافه.
وقد يتضح لنا من خلال ما سبق أن الاستدامة البيئية والنمو الاقتصادي مفهومان يمثلان جوانب مترابطة ومتداخلة، وأن أي محاولة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام لا يمكن أن نتجاهل في ذلك العوامل البيئية لتحقيقه، حيث يمكن أن تسهم الاستدامة البيئية في النمو الاقتصادي من خلال مجموعة متنوعة من الطرق، من ذلك على سبيل المثال، تتطلب المحافظة على البيئة وتوفير الموارد الطبيعية، تقنيات وابتكارات نوعية، وبالتالي يوجد ذلك فرص عمل جديدة، لذوي المهارات والكفاءات المتجددة، كما أن ذلك سيسهم في زيادة الإنتاجية وخفض الاستهلاك والتكاليف بشكل عام، إضافة إلى تحسين جودة الحياة من خلال البيئة المستدامة، ما يوفر فوائد صحية واقتصادية للمجتمع.
وفي رأيي أن التحدي الكبير في تحقيق استدامة بيئية ونمو اقتصادي مستدام يعتمد على زيادة الابتكارات والتكنولوجيا الرقمية والتقنيات الحديثة النوعية في مجالات التنمية المستدامة المتعددة، ويكون ذلك من خلال الاستثمار في العنصر البشري وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا، وأن بناء القدرات البشرية في ذلك يبدأ من استكشافها وتبنيها والعمل على تطويرها وتوطينها، ويعد ذلك من أهم عوامل الاستدامة بشكل عام والتي ستسهم في النمو الاقتصادي وتعزيز التنافسية والقوة والريادة العالمية بين الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي