عين الفراشة

بنظرة تأملية لهذا الكون سنجد أننا نحن البشر استلهمنا من الكائنات حولنا التي تتمتع بحواس وقدرات جسمانية تفوق قدراتنا، فالصراصير والسلاحف تستشعر المجال المغناطيسي للأرض، والجمبري يستطيع اكتشاف الضوء المستقطب، وتستطيع الفيلة سماع ترددات أقل بكثير من تلك التي يستطيع الإنسان سماعها، وتستطيع الخفافيش تحديد الأماكن عن طريق رجع الصدى، أما الفراشات فيمكنها إدراك مجموعة واسعة من الألوان، ومنها الضوء فوق البنفسجي!
الفراشة ذلك الكائن الرقيق تمتلك نظرة ثاقبة أوحت للعلماء الاستفادة من نظامها البصري لتطوير كاميرات قادرة على "الرؤية" في نطاق الأشعة فوق البنفسجية الذي لا يمكن للعين البشرية الوصول إليه، للاستفادة منها في الكشف عن السرطان، حيث تملك القدرة على التمييز بين الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية بنسبة ثقة تصل إلى 99 في المائة حسب ما ورد في مجلة "ساينس" على لسان الباحث فيكتور جرويف الذي أفاد بأن الفراشات تستطيع رؤية الاختلافات الصغيرة في طيف الأشعة فوق البنفسجية من خلال عيونها المركبة من ستة مستقبلات ضوئية ذات حساسية عالية، بينما يتمتع البشر برؤية ثلاثية الألوان مع ثلاثة مستقبلات ضوئية رؤية ظلال اللون الأزرق والأخضر!
كما تحتوي الفراشات على أصباغ فلورية تسمح لها بتحويل الضوء فوق البنفسجي إلى ضوء مرئي يمكن بعد ذلك استشعاره بسهولة بوساطة مستقبلاتها الضوئية. وهذا يسمح لها بإدراك نطاق أوسع من الألوان والتفاصيل في بيئتها.
استخدم العلماء وأجهزة بلورات البيروفسكايت النانوية لمحاكات النظام البصري للفراشة لما تتمتع به من قدرات حيث تمتص الأشعة فوق البنفسجية وتعيد بث الضوء في المجال المرئي.
هذه التقنية الواعدة إضافة إلى كشفها عن الخلايا السرطانية بحد ثقة عال، ستمكن الأطباء من استخدام هذا المستشعر أثناء الجراحات لتحديد كمية الأنسجة التي تجب إزالتها، ومن ثم يمكن أن يساعد مثل هذا المستشعر على تسهيل عملية اتخاذ القرار على الجراحين، ويتوقعون أن تكون لتقنية التصوير الجديدة هذه تطبيقات أخرى تتجاوز التطبيقات الطبية!
رغم كل ما منحنا الله من قدرات إلا أننا ما زلنا نكتشف أسرار الكون الكامنة في مخلوقاته، بل ونسخرها من أجل خدمة البشرية، وإيجاد تقنيات تساعدنا في المجال الطبي والصناعي والزراعي وحتى البناء قال تعالى: "أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسىٰ أن يكون قد اقترب أجلهم ۖ فبأي حديث بعده يؤمنون".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي