سوق الكربون .. تحديات وفرص «2 من 2»

تصمم أرصدة الكربون كآلية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة حيث تحصل الشركات على عدد من الاعتمادات ويمكن بيع أي فائض لشركة أخرى، وبالطبع فإن أرصدة الكربون توجد حافزا نقديا للشركات لتقليل انبعاثات الكربون. أحد الأمثلة لإصدار أرصدة الكربون وتجنب انبعاثات الغازات الدفيئة هو مشاريع الطاقة المتجددة، حيث تستبدل الطاقة المشتقة من الوقود الأحفوري بالمصادر المتجددة. ومثال آخر هو العمل على إزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي، مثلا عن طريق زراعة الأشجار، التي تعمل على عزل واحتجاز الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه، وبالتالي يمكن للمزارعين وملاك الأراضي بيع أرصدة الكربون في السوق، لأن جميع الأراضي يمكنها تخزين الكربون، وكذلك ملاك مشاريع الطاقة المتجددة. ومن أمثلة المشاريع التي توجد أرصدة الكربون أنظمة استرداد غازات الاشتعال ورفع كفاءة الطاقة والتحويل إلى محطات الطاقة ذات الدورة المركبة، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها وغيرها. ومن الملاحظ أن عديدا من المشاريع التي توجد أرصدة الكربون يطبق على بعض توجهات رؤية المملكة 2030، وهذا ينشئ فرصا عظيمة ومردودا ماليا. ونظرا إلى أن أرصدة الكربون لا تنتهي صلاحيتها، فيمكن تداولها عدة مرات، ولقد اعتاد اللاعبون في السوق مثل المتداولين أو اللاعبين الماليين، على شراء شهادات حديثة والاحتفاظ بها حتى يتم بيعها بسعر أعلى. ويتم التحقق من أرصدة الكربون من خلال منظمات غير ربحية حيث ترسم معايير صارمة للتصديق والتحقق من سلامة تعويضات الكربون التي يتم إنتاجها، بما في ذلك: احتياطي العمل المناخي وصندوق الكربون الأمريكي وصندوق الكربون المعتمد (فيرا – VCUS) وغيرها.
توجد الآن سوقان للكربون في العالم يتم تداول أرصدة الكربون فيهما: الأولى هي السوق الإجبارية أو الإلزامية، والأخرى هي السوق التطوعية، ويحدد الموقع الجغرافي والصناعة ما إذا كان تجب المشاركة في السوق الإجبارية. ويتم تداول شهادات الكربون في السوق الإجبارية تحت مظلة أنظمة وقوانين صارمة مثل التي في الاتحاد الأوروبي. ويستلزم التشريع من المنظمات التي تتعدى حدا أقصى للانبعاثات بأن تتحصل على أرصدة كربون لكل طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي تقوم هذه المنظمات التي استطاعت أن تحد من انبعثاتها ببيع الفائض لديها من أرصدة الكربون في السوق، ما يحمل معها دخلا ماديا. أما السوق التطوعية فهي لأولئك المنظمات التي تشتريها للتعويض عن انبعاثاتها الخاصة بشكل طوعي وغير إلزامي. الجدير بالذكر هو أن المشترين في سوق الكربون الطوعية هم منظمات قامت بخفض انبعاثاتها قدر الإمكان ولم يعد بوسعها التقدم أكثر نحو الحياد الصفري إلا عبر شراء أرصدة الكربون من خلال مشاريع في أماكن أخرى قاموا بخفض الانبعاثات في مشاريعهم. ولقد بلغت القيمة المتداولة لسوق أرصدة الكربون العالمية 978.56 مليار دولار في 2022، ومن المتوقع أن تصل السوق إلى 2.68 تريليون دولار بحلول 2028 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 18.23 في المائة إلى 2028. ولقد انتقل متوسط أسعار أرصدة الكربون العالمية في السوق التطوعية من 2.49 دولار لكل طن في 2020، إلى 3.82 دولار لكل طن في 2021، وتجاوز حجم الاعتمادات المتداولة في السوق التطوعية 362 مليون رصيد كربوني في 2022، أي بزيادة 92 في المائة عما كانت عليه في 2020. ويتوقع أن تصل أسعار أرصدة الكربون إلى 224 دولارا للطن بحلول 2030، و120 دولارا للطن بحلول 2050، وتستند هذه التوقعات إلى عرض محدود من أرصدة الانبعاثات التي تمت إزالتها بالفعل. إن نمو أسواق الكربون كان مدفوعا بارتفاع الأسعار وزيادة الطلب على أرصدة الكربون، ويتم تحديد سعر رصيد الكربون للطن من خلال سوق الكربون التي تضم الشركات والمستثمرين الذين يشترون ويبيعون أرصدة الكربون.
وبالنسبة إلى المملكة، فإن أرصدة الكربون تمثل فرصة كبيرة لها لتقليل بصمتها الكربونية وتعزيز الممارسات المستدامة إضافة إلى المنافسة والاستمثار في أرصدة الكربون. وتعد مبادرة المملكة الخضراء وزراعة الأشجار ومشاريع الطاقة المتجددة وتدابير كفاءة الطاقة وأنظمة استرداد غازات الاشتعال ورفع كفاءة الطاقة والتحول إلى محطات الطاقة ذات الدورة المركبة والمزدوجة، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها واستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، فرصة كبيرة لإنشاء أرصدة الكربون والاستثمار فيها. أما على جانب الأسواق، فإن إنشاء شركة سوق الكربون الطوعية الإقليمية تمثل نقلة نوعية وتشجيع للمنظمات المحلية والإقليمية للاستثمار في أرصدة الكربون. ورغم تباطؤ الاقتصاد العالمي، فإن الطلب على أرصدة الكربون في السوق التطوعية ينمو بسرعة، ومنها كذلك تشجيع المنظمات وصناديق الاستثمار في تحقيق الأرباح من أرصدة الكربون. سواء أكان المستثمر يقوم بشراء وبيع أرصدة الكربون في سوق الكربون التطوعية لتحقيق الربح، على غرار الطريقة التي يجني بها المال في سوق الأوراق المالية، أو إنشاء أرصدة الكربون وبيعها، فبإمكانه كسب الربح باستخدام أرصدة الكربون.
ومن حسن الحظ أنه لا يتعين على المستثمر أو صندوق الاستثمار أن يكون شركة كبيرة حتى يحصل على هذه الأرصدة. وبناء على قراءة تجارب عالمية، يكمن أحد تحديات أرصدة الكربون في إيجاد الطلب المناسب، ولذلك قد يفشل الاستثمار في أرصدة الكربون، لأن تقدير السعر تم على أساس اتجاهات تاريخية وهذا قد يكون غير دقيق، ويتعلق التحدي الآخر بوضع خط الأساس لتقدير أسعار الشهادة الكربونية. من جانب آخر، فقد جادل بعض النقاد والباحثين في أن أرصدة الكربون لا تقلل من الانبعاثات بشكل كاف لتحقيق أهداف المناخ العالمية، مستشهدين بأن أسواق الكربون قد أنشئت منذ زمن ومع ذلك لم يتأثر التغير المناخي إيجابا. وبصرف النظر عن التحديات المذكورة، فلا تزال الساحة تتقبل التطوير والمضي قدما. على سبيل المثال، هل سنرى سوقا أخرى لشهادات وأرصدة الكربون حيث يسمح للمضاربين المشاركة فيها مثل سوق الأوراق المالية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي