تسمين الصغار
يليق الوعي المتصاعد في زمن النضج وتدفق المعارف بمجتمع وضع جودة الحياة نصب الأعين، وحقق الإبهار في وقت قياسي لا يقبل التعطيل، بعد أن طفح كيله جراء استهداف ممنهج عبر مشروع تصدير الخراب بأرتال لحشود المنفذين، من زمرة الوكلاء الواقعين تحت تأثير الدولار، وشحن عاطفي يأخذ أشكالا تختلف باختلاف المناسبة والمرحلة والغاية، ويفضي إلى نتيجة واحدة، بحكم ثبات طريقة التعامل المؤدي إلى مزيد من خسائر مفتعلة، ترتب عليها تأخر التنمية العربية وتسيد التخلف وظهور نسخة أولى من خريف عربي مدم، أسقط عواصم أربعا، أضحت مجرد ورقة تفاوض للمشغل، بل إن كان كافيا لإحداث صحوة لا تبقي ولا تذر، بعد فضح المخططات القائمة على صراخ وشعارات وخطابات جوفاء، ترمي إلى تفتيت الأمة وإشعال نيران النسخة الثانية من الخراب العربي المبتغى المحوري لمخططات تدميرية، تعمل على تسمين الحالمين الصغار وتحجيم الفاعلين الكبار، وفقا لوعود هلامية تصب في خانة مصالح المحتل والطامع الطامح في الغنيمة، تحت بيارق "الموت لأمريكا"، "الموت لإسرائيل"، وعلى أمواج أثير المتباكي في قنوات سخرت للهدم بواسطة مرتزقة تحدوا "أعدوا"، مانحة الوقت الكافي لتحقيق الانتصار بإذن قائلها.
لعلنا نتفق على أن نمو وعي عام لدى عشاق التنمية ممزوج بنمو أعداد الميليشيات الخارجة عن العرف والشرع والقانون لدى ضامري الشر مصدري الخراب معادلة غير منطقية، في مرحلة مفصلية تستوجب حلولا جذرية للحد من اختطاف قرارات بعض الدول على الهيئة الماثلة للعيان في بعض العواصم الواقعة تحت سطوة السلاح وعتمة التضليل، وقمع ميليشيات تأتمر من وراء البحار، دون أن يحرك الغرب ساكنا، بل إن الدول العظمى تتفاوض مع الوكلاء عن طريق المشغلين وكأن الأمر طبيعي، وكذلك تفعل منظمة الأمم المتحدة ذات الصلاحيات الواسعة فيما يتعلق بمحاربة العصابات وحماية الدول المستقلة من مآسي السطو والاختطاف، وما مآل لبنان المختطف عنا ببعيد.
صحيح أن الوعي المحمول على أكتاف تجارب مريرة ومخرجات مؤلمة وتأخر تنموي قاتل بفعل الأكاذيب والشعارات البالية واستغلال السذج، أدى إلى طرح التساؤلات بالصوت العالي عن المصير والمبتغى وأهمية إنقاذ الشرعية في دول باتت مغتصبة، لكن الأكثر صحة أن هذا الوعي شخص الواقع بدقة ورسم الطريق الصحيح لنهوض أمة تكتنفها مخاطر إقليمية طلت برأسها عبر تخطيط خبيث يراد أن يصبح واقعا معاصرا، رغم استحالة تحقيق مقاصد محور الشر المتمتع بعلاقات متميزة مع عدو الأمة، وسينكشف الأمر جليا بعد فشل الجولة الثانية من محاولة التخريب، ولهذا قلنا كفى صراخا، فالمسألة مكشوفة والأهداف مفضوحة، أما الدوافع فليس من بينها مصلحة عربية واحدة يمكن ذكرها، مختتما بملاحظة مفادها أن تضخيم أعداد قتلى ميليشيات لبنان على غير العادة أصبح مكشوف المقاصد، بل إن الايهام بالانخراط في المعركة بوسائل لافتة أمر غير مقنع، فما زال وسيظل التراشق ضمن ذر الرماد وقواعد الاشتباك، أما التبرير المسوق والتحذيرات الجديدة لمسؤول الوكلاء فلا تخرج عن مواصلة التضليل، ولن يصدق الواعون من جملة المدركين للأهداف الحقيقية المدمرة، بل لن يفزعوا قبل رؤية قيادات الحزب على أبواب تل أبيب، وسيكتفون إلى أن يتحقق ذلك بالدعاء.