التشرذم الجغرافي ـ الاقتصادي يهدد الأمن الغذائي «2 من 2»
الأسواق التي تعاني التشرذم لن توفر سوى القليل من هوامش الأمان لاستيعاب صدمات السلع الأولية في المستقبل، مثل مواسم الحصاد الضعيفة أو الظواهر المناخية المتطرفة. علاوة على ذلك، فإن مجرد قيام بلد واحد منتج للسلع الأولية بتحويل ولائه الجغرافي ـ السياسي يمكن أن يتسبب في تقلبات هائلة في الأسعار.
حول مخاطر تحول الطاقة تشرذم السلع الأولية يمكن أن يعرقل تحول نظام الطاقة في العالم. ففي سبيل تحقيق مستهدفات الصفر الصافي لانبعاثات الكربون، من المنتظر أن يرتفع الطلب على الموارد المعدنية عدة أضعاف في الأعوام المقبلة. لتلبية هذا الطلب، يتعين تحقيق زيادة سريعة في الإمدادات. ولما كانت الرواسب الطبيعية المربحة من الناحية الاقتصادية مركزة في دول قليلة، فإن التجارة تصبح ضرورية لضمان الوصول إلى مثل هذه الموارد. وتشرذم الأسواق يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الأمر.
من خلال السيناريو الافتراضي الذي وضعناه وتتعرض فيه تجارة الموارد المعدنية الحيوية بين الكتل التجارية للاضطراب، من الممكن أن ينخفض الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية بنسبة تصل إلى 30 في المائة بحلول 2030، مقارنة بعالم لا يتسم بالتشرذم. وقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ جهود تخفيف آثار تغير المناخ.
وبشأن الدعوة إلى التعاون متعدد الأطراف فقد تستعرض استنتاجاتنا حجة أخرى داعمة للتعاون متعدد الأطراف في السياسات التجارية. وإذا ظل التعاون الكامل بعيد المنال، فلا بد من البحث عن حلول عملية للتعامل مع التحديات الأكثر إلحاحا، وهي التخفيف من مخاطر انعدام الأمن الغذائي ودعم التحول إلى الطاقة الخضراء.
يتعين بذل الجهود العاجلة لضمان تدفق الغذاء دون عائق وتقليص مخاطر انعدام الأمن الغذائي إلى أدنى حد في الدول منخفضة الدخل، خاصة في ظل زيادة تواتر وكثافة الظواهر المناخية والكوارث الطبيعية.
بالمثل، ينبغي أن تركز الجهود متعددة الأطراف على إعطاء الأولوية لإنشاء "ممر تجاري أخضر"، ينطوي على حد أدنى من الاتفاق بالحفاظ على تدفق الموارد المعدنية الحيوية. ومن شأن ذلك أن يساعد على تجنب آثار تغير المناخ.
بينما يعكف صناع السياسات على التخفيف من حدة مخاطر التشرذم، بإمكان الدول اتخاذ خطوات استباقية للحد من التداعيات الاقتصادية المحتملة. وقد تشمل الاستراتيجيات في هذا الشأن تنويع مصادر إمدادات السلع الأولية، وزيادة الاستثمار في التعدين والتنقيب وإعادة تدوير الموارد المعدنية.
ينبغي أن تنظر الدول في اعتماد سياسات أوسع نطاقا لتعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات، بما في ذلك:
* أطر أكثر صلابة للسياسات الاقتصادية الكلية والهيكلية وسياسات المالية العامة.
* احتياطيات وقائية وفيرة على مستوى المالية العامة والقطاع المالي.
* شبكات أمان معززة.
* التأهب للاضطرابات المفاجئة في إمدادات السلع الأولية.
من شأن استحداث مبادرة دولية لتحسين تبادل البيانات وتوحيدها في أسواق الموارد المعدنية أن يحد أيضا من أجواء عدم اليقين السوقية.
وقد يتسبب تشرذم أسواق السلع الأولية في إيجاد بيئة عالمية أكثر اختلالا، ما يشكل تهديدات على الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي وتكلفة جهود التخفيف من آثار تغير المناخ. وتعرض استنتاجاتنا حجة أخرى داعمة للتعاون متعدد الأطراف في السياسات التجارية لمنع حدوث مثل تلك النتائج.