الفراغ الإنساني

أكثر ما يريده عدوك هو أن تبقى ضعيفا، ضعيفا على المستويات كافة حتى يظل دائم التفوق عليك، والضعف لا يكون فقط في الجيوش، إنه منظومة كاملة تصب كل معطياتها في إيقافك عن العمل، لأن هذا التوقف هو ما يؤدي إلى الضعف، وإلى استمرار تفوقه.
العالم لا يحترم إلا الأقوياء، والأقوياء أنواع، أفضلهم من كانت قوته مستمدة من مكامن القوة المرتكزة على القدرة على العمل، والإنتاج، وبالتالي التأثير، وعلى أن يكون هذا العمل والإنتاج متصلا بأهداف التطور الإنساني، ومبادلة المصالح المشروعة مع الآخرين.
شيئا فشيئا يكتشف العالم أن بعض الأقوياء ليسوا أقوياء حقيقة لسببين، الأول أن قوتهم مستمدة من ضعف غيرهم فقاموا باستعماره، أو نهب ثرواته، أو أرضه، أو حقه الإنساني الذي يماثل حقهم، وأن هذا القوة خالية من المعطى الإنساني الذي هو أساس نمو واستمرار الحضارات وانتشار ثقافتها وصولا إلى التأثير.
ما يحدث على الأرض الفلسطينية المحتلة هذه الأيام هو امتداد لما حدث لعقود من الزمن، لكن تنبيهاته هذه المرة تختلف، أو أحسب أنها يجب أن تختلف، فقد انكشف بعض ما سمي ويسمى بالحضارات الحديثة التي تتبنى الحداثة، وما بعد الحداثة، وتتغنى بالمفاهيم الإنسانية عندما يتعلق الأمر بهم، وتنساها أو تنسفها عندما يتعلق الأمر بنا نحن المسلمين والعرب، انكشفوا أكثر لأنهم يفقدون يوما بعد يوما زمام السيطرة الإعلامية والتحكم فيما يراه العالم، ولأن الأهداف واضحة، إيقاف من يعمل وينتج عن العمل والإنتاج، أي إيقاف رحلته إلى القوة التي ستصنع يوما التأثير الذي سيقف أمامهم.
واهم من ينتظر شيئا من حكومات ارتكزت حضارتها على العنف، وسلب ثروات حقوق وحريات الآخرين، وواقعي من يعرف أن هؤلاء لا يحترمون إلا القوة، ولا يخشون إلا من يمتلك بيديه وشعبه وقيادته أشياء تدعم هذه القوة.
نسمع ونقرأ كثيرا عن "الفراغ العاطفي"، أي عدم وجود عاطفة، وفي الغالب تستخدم الكلمة للتعبير عن القلب الخالي الباحث عن الحب، ربما يجدر بنا التعرف أكثر على "الفراغ الإنساني" في الدول التي تنادت بدعم العدو الإسرائيلي، الدول التي يعاني فيها العقل الجمعي لحكوماتها وأحزابها عقولا خالية من الإنسانية تعادل تلك القلوب الخالية من الحب.
لتتأكد من هذا الفراغ الإنساني الذي يشي بخلل في الحضارة المفترضة، انظر لمن هرعوا للاصطفاف مع المحتل من الدول القوية التي تقول ثقافتها بالتنوير، كيف يضربون بعرض الحائط كل ما أنتجه مفكروهم وفلاسفتهم عن الإنسان والإنسانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي