«ترى في الجو فيروس»
" فيروس في الجو" أو " فيروس منتشر هاليومين"، هذا المجهول المعلوم الذي يهاجم بعضنا ومعظم أطفالنا منذ عقود ونحن لم نحاول التعرف عليه من باب "اعرف عدوك"، لا نعرف نسبه ولا خريطته الجينية -إن وجدت- نعرف فقط مواعيده المتوقعة، وأعراضه، والأمهات والآباء ذوو الخبرة الطويلة ربما يعرفون علاجه أو ما يخفف وطأته.
هو فيروس مخاتل أحب أن يبقى مجهولا، ولم يجد حسب معرفتي من يقتحم عالمه بالأبحاث لنتعرف على شخصه الكريم، أحب الغموض فعشقنا ملاحقته بعموميات التشخيص الطبي والعلاج، العلاج الذي يتضاعف إذا كان لدى المريض تأمين طبي، ويتقلص إلى درجة مدهشة عند عدم وجوده، العلاج الذي يملأ كيسين إذا راجعت مستشفى خاصا، وتضعه في جيبك إذا زرت مركزا صحيا حكوميا.
ربما يكون متعدد الأسماء، أو التركيب، فهو ينجح أحيانا حتى في اختراق اللقاح الموسمي السنوي للإنفلونزا، ولقاحات الأمهات الموروثة من الجدات إذا اقترب الموسم " الصفري"، وهو يشكل موسما جيدا للمستوصفات وأصحاب الصيدليات الذين كان بعضهم عمليا وواضحا ووضع أبرز الأصناف المطلوبة هذه الأيام على طاولة المحاسب تحقيقا للسرعة وتجويدا لتجربة العميل!
أول مرة سمعت عنه من طبيب من الإخوة العرب في مستوصف أهلي حسبته يقول لي إن المطربة فيروز في الجو من حولنا، أو أنه يطلب مني الاستماع لفيروز ليحسن مزاجي ويخفف من قلقي على مولودي الأول آنذاك، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم لا أعرف لماذا ينطق الأطباء من جميع الجنسيات بما فيهم أبناؤنا لفظة "فيروز" بدلا من اللفظة الصحيحة "فيروس"؟
الأطفال لا يمانعون من صداقته فهو يعطيهم عذرا شرعيا للغياب عن المدرسة، ويعطيهم أهاليهم العذر الأخلاقي لأنهم لا يرغبون أن تنتقل العدوى من صغيرهم أو صغيرتهم إلى الآخرين، وهو عذر نفسي أكثر منه أخلاقي لأن "الفيروس" أصلا موجود في الجو حسب إفادة كل أطباء القطاعين العام والخاص، فينبغي ألا يغيب أحد، أو يتغيب الجميع للاختباء من "الجو" المشبع بهذا الكائن أو هذه الكائنات.
التجربة الحياتية تقول إن الفيروسات والبكتيريا موجودة في معظم فترات العام، وإن الوقاية دوما أفضل من العلاج، وإن معظم العلاجات التي تصرف لنا ولأطفالنا تخفف الأعراض ولا تعالج، ومعها كل الوصفات الموروثة عبر الأجيال.
أسأل الله الشفاء للجميع، ونجاح الوقاية من كل الرفاق في المجموعة "الفيروسية" المحيطة بنا، ونجاح الجهود البحثية في التعرف عليهم أكثر ومعرفة نياتهم وخططهم المستقبلية.